الخرافة فيروس قاتل أكثر من كوفيد-١٩ (On COVID-19 vaccine myths)

COVID-19 vaccine myths
بقلم منذرهنداوي

قبل أسبوع أخذت الدفعة الأولى  من لقاح كوفيد-١٩. أخبرت أحد الأصدقاء التشيك بذلك الخبر السعيد. لكني تفاجأت بقوله أنه لن يأخذ اللقاح. بعد نقاش مطول معه وافق على أخذ اللقاح. جلسنا سوياً على الكمبيوتر وتساعدنا في حجز موعد له ولزوجته من أجل اللقاح. في اليوم التالي أتته رسالة على الموبايل تطلب منه تأكيد الحضور في مكان التطعيم في الوقت المحدد له. جلسنا سويا من جديد كي نؤكد الموعد. في هذه الأثناء أتى إبنه الشاب. بعد أن لاحظ أننا نثبت موعد الحجز اندفع بحماس وغضب ضد والده لأنه سيأخذ اللقاح، وراح يعطي المبررات بأن هذا اللقاح قاتل، و أن كوفيد-١٩ ليس سوى فيروس عادي من فيروسات الانفلونزا. لم أتمالك نفسي فسألته هل أنت مختص بالأوبئة! و إلا من أين لك بهذه المعلومات. دار بعدها نقاش حاد لم أتمكن من خلاله زحزحة قناعاته التي لا تستند على أي معطيات علمية. الخلاصة امتثل والد الشاب لرأي ابنه، و قال لن آخذ اللقاح.

لم يكن بوسعي فعل شيء، لذلك ودعتهما وانصرفت. كنت أشعر بالأسف والغضب، وطوال الطريق إلى البيت كنت أردد هذه العبارة: تستطيع أن تقتلع جبلاً بقنبلة نووية، لكنك قد لا تستطيع اقتلاع خرافة ما من عقول بعض الناس. لذلك تركت كل شي و صرت أبحث على النت عن دراسات حول أسباب رفض بعض الناس للقاحات. وجدت عشرات الدراسات الرصينة حول الموضوع. وبينما كنت أنتقل من قراءة دراسة إلى  أُخرى كنت أقتنع أكثر واكثر أن لا شيء يفتك بالمجتمع أكثر من تفشي الخرافة فيه. وأن الخرافات التي انتشرت حول كورونا أشد خطرا من فيروس كورونا ذاته. و توصلت إلى قناعة أن هذه الخرافات هي من يجب أن تحارب بعزيمة أكبر من الحرب التي يشنها علماء الفيروسات والأوبئة على كوفيد-١٩. إنها حرب الوعي على اللاوعي. حرب التعلم على الجهل والتجهيل. و باختصار إنها حرب الصدق على الكذب. فقط عندما ينتصر الصدق والعلم و يتقدم وعي الناس يمكن السيطرة المطلقة على كوفيد-١٩. 

ما يثير الصدمة في انتشار كورونا أنه بينما تتسابق الكثير من دول العالم للحصول على اللقاحات ضده، وبينما يباع اللقاح في الأسواق السوداء بعدة دول بآلاف الدولارات، يرفض كثير من الناس أخذ اللقاح في دول يتاح فيها اللقاح. رفض اللقاح لا يستند على تحليل منطقي، أو بحث علمي تخصصي في مجال الأوبئة، بل يستند إلى خرافات دسُّها مروجي نظريات المؤامرة. لكن اكثر ضحايا كورونا ليسوا المروجين الكبار للمؤامرة، بل مَنْ تلقفوا نظرياتهم. 

هناك دوما أناس عقولهم مكيَّفةٌ لاستقبال نظريات المؤامرة والخرافة. إنهم لا يكتفون بتلقي تلك النظريات، بل يضيفون عليها شيئاً من خيالاتهم وتصوراتهم المصابة بانحراف الرؤية. بعد هذا ينشرون خرافاتهم مزخرفة بكل أشكال الإدعاء وفبركة الحقائق. وكم يشعرون بالثقة المطلقة وهم يروجون لنظريات المؤامرة و الخرافة حول كورونا. حتى لو أتى أشهر المروجين للمؤامرة وقال لهم أنا من اخترع تلك النظريات الكاذبة، فإنه لن يستطيع تغيير قناعاتهم من جديد. بل انهم سيحاولون إقناعه أن نظرياته كانت صحيحة و أن أحدًا ما غسل دماغه لاحقا كي يغير رأيه. هؤلاء لن تتغير قناعاتهم إلا بعد أن يصابوا، أو بعد أن يموت شخص عزيز عليهم بالفيروس. عندها تجدهم حيارى مكسورين مستسلمين رغما عنهم لما يقوله أهل الإختصاص. 

قسم ممن انجذبوا للخرافة حول كورونا يتركون الباب مفتوحًا قليلا لاحتمال أن يكونوا على خطأ. فقد يقول أحدهم سوف أنتظر حتى يأخذ معظم الناس اللقاح وبعدها أقرر. هذا موقف لا يفضح ضحالة فكر صاحبه وسوء فهمه للقاح و حسب، بل يفضح ايضاً مدى تضخم أنانيته. فهو يرى في المجتمع حقل تجارب له. فهو لا يأخذ اللقاح إلا بعد أن يجرب اللقاح على كل الناس. ولكن من يدري! فقد يكون مكر الفيروس أشد من مكره فينال منهم بأسرع مما يتصور.  

قبول اللقاحات في العالم يعكس إلى حد كبير مستوى الوعي و التعليم الجيد بين الناس. بالمقابل فإن رفض اللقاحات يعكس مدى قلة الوعي ومدى تغلغل الخرافة بين الناس. في دول غرب أوروبا تزيد نسبة قبول الناس عن نظيرتها في دول شرق أوروبا. في المملكة المتحدة أجري استطلاع في ١٤ شباط ٢٠٢١ تبين فيه أن ٩٠٪؜ من البالغين في بريطانيا قد تلقوا اللقاح، أو من المرجح أن يقبلوا لقاح كوفيد-١٩ إذا عرض اللقاح عليهم.(١). بالمقابل، أظهر مسح أجري في تشيكيا أن ٤٠٪؜ فقط من الناس أعربوا عن استعدادهم لقبول اللقاحات إن عرضت عليهم. يعزو الباحث الرئيسي في هذا المسح، ريتشارد كيو توركساني، عدم ثقة الناس في تشيكيا باللقاح إلى “مزيج من عدم الثقة في الحكومة، والمعلومات المضللة على نطاق واسع، والدعاية من روسيا، وسوء فهم العلم.” على سبيل المثال بعد تلقيح بابيش رئيس الوزراء التشيكي انتشرت نظريات المؤامرة بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي. ادعى البعض أن لقطات الفيديو لم تظهر إبرة دخلت في ذراع رئيس الوزراء، كما أن يد الطبيب تخفي هذا، وأن الفيدو كان عملية احتيال. و ذهب آخرون أنه تم حقنه بعلاج وهمي.(٢) 

أمر آخر يتطلب مزيدا من التفحص هو تزايد نسبة الرافضين للقاحات في أوروبا وأمريكا بين السود والجماعات المنحدرة من أصول غير أوروبية. في مسح أجري في بريطانيا تبين أن ٧٢٪؜ من السود المشاركين في الاستطلاع قالوا إنه من غير المرجح، أو من غير المرجح بشكل كبير، أن يتلقوا اللقاح. أما المنحدرون من أصول باكستانية أو بنغلادشية فقد بلغت نسبة الرافضين للقاح بينهم  ٤٢٪؜.(٣). 

في دول أوروبا الشرقية يزداد رفض اللقاحات من قبل الغجر. في دراسة أجريت في المجر تبين أن ٩٪؜ من الغجر فقط يرغبون في أخذ اللقاح إذا طرح عليهم. بينما أكثر من ٩٠٪؜ منهم يرفضون اللقاح رغم أنهم “يتساقطون مثل الذباب” من الإصابة ب كوفيد-١٩، حسب تعبير أحد المدافعين عن حقوق الغجر. وتشرح الدراسة السبب بأن الغجر لا يثقون بالأطباء والحكومات لعقود بسبب ما يعتقدون به من تمييز ضدهم. (٤). في أمريكا لا يختلف الوضع كثيرا. نسبة المشككين باللقاحات تتزايد بصورة خاصة بين السود و المنحدرين من أمريكا اللاتينية. (٥)

النظرة ل كوفيد-١٩ و اللقاحات في دول الشرق الأوسط أكثر تعقيدا. فمن جهة لا تتوفر اللقاحات في العديد من هذه الدول بعد، ومن جهة ثانية لا توجد دراسات يمكن الوثوق فيها عن مدى تقبل الناس للقاحات، ومن جهة ثالثة فإن ثقة الناس في السلطات شبه معدومة. كل هذا يوفر أرضاً خصبة لنشر نظريات المؤامرة حول كورونا و حول اللقاحات. لكن يجب التذكير بأن صعوبات الحياة أشد مرارة في هذا الشرق الحزين من أن تمنح الناس فرصة التفكير بكورونا و باللقاح ضده. فمن قُدّرت له الحياة عاش، ومن مات فهذا قدره. 

Print Friendly, PDF & Email