هل أنت حر في رفض أخذ اللقاح ضد كورونا؟ (Are you free to refuse to be vaccinated against Corona?)

بقلم منذر هنداوي

أطرح فيما يلي موضوعا للنقاش حول حدود حرية الفرد في المجتمع. أشير بشكل خاص إلى حرية رفض الفرد في أخذ لقاح كوفيد-١٩. كثير من الأصوات بدأت تتعالى ضد اللقاح بعد الكشف أن اللقاح صار شبه جاهز و سيوزع خلال عدة أشهر. 

وألخص فيما يلي أبرز الأسباب التي يتم تداولها في أسباب رفض اللقاح:

أولا، اللقاحات عموما ليست إلزامية في الدول الغربية باستثناء بعض اللقاحات، مثل جدري الماء والحصبة وشلل الأطفال، فهي إلزامية في عدد من الدول الأوروبية. لكن لا يوجد قانون يلزم الناس أخذ لقاح ضد كوفيد-١٩. 

ثانياً، هناك اعتقاد، و خصوصا بين مروجي نظريات المؤامرة، أن كوفيد-١٩ ليس أكثر من زكام يصيب الناس من وقت لآخر. والناس غير مجبرين على أخذ لقاح ضد الزكام. 

ثالثا، هناك من يؤمن أن مناعة الناس يمكن أن تتطور طبيعيا للحد من أثر هذا الفيروس. وهذا جوهر رأي المؤيدين لمبدأ مناعة القطيع. حسب هذا المبدأ يجب ترك الناس يصابون بالفيروس حتى تتعرف أجهزتهم المناعية عليه، و بهذا تتطور مناعتهم لدرجة تمكنهم من محاربة الفيروس تلقائيا. المروجون لمناعة القطيع يرون أن الخسائر و الموت الذي سوف يحصل جراء مناعة القطيع أقل من الخسائر الناجمة عن الاغلاق و التباعد الاجتماعي.

رابعا، هناك اعتقاد رائج، وخصوصا بين مروجي نظريات المؤامرة أيضاً، أن قضية هذا الفيروس برمتها عملية استثمارية هدفها ربح المليارات من قبل شركات الدواء و المستثمرين الكبار فيها. 

قبل أن أناقش موضوع الحرية في أخذ اللقاح أدقق بأسباب رفضه المستند إلى آراء مغلوطة عن كوفيد-١٩. ليس صحيحا أن هذا الفيروس مجرد  زكام. لا توجد دراسة من مراكز بحث ذات مصداقية تشير أن هذا الفيروس ليس أكثر من فيروس رشح أو زكام عادي. كل الدراسات تشير أنه نوع جديد من الفيروسات التاجية، السريعة الانتشار و المميتة. ولولا اجراءات التباعد و العزل التي تم تبنيها في أغلب الدول هذا العام لفتك الفيروس بحياة ٤٠ مليون شخص حول العالم هذه السنة ٢٠٢٠.  (١). 

أما عن مناعة القطيع فإن الوقائع تظهر أن الناس يمكن أن يصابوا مرة ثانية بالفيروس بعد شفائهم منه خلال عدة أشهر. أي أن الجسم لم يطور مناعة تقيه من الاصابة بالفيروس مرة ثانية. وهذا يعني أن الفيروس إذا لم يجابه بكل الوسائل سيبقى بين الناس الى ما لا نهاية. هناك كثير ممن أصيبوا بكورونا في الموجة الأولى ثم أصيبوا مرة ثانية في هذه الموجة الثانية. 

اللقاح المطور من قبل شركتي فايزر وبيونتيك الذي ثبتت فعاليته بنسبة ٩٠٪ يعني أنه إذا تم تلقيح أكبر نسبة من الناس فإن المناعة بينهم ستكون كبيرة بحيث تحرم الفيروس من الوسط الذي يزدهر فيه. هذا يعني وقف انتشاره، بل وربما اختفاؤه. الأمر متوقف على مدى تلقيح الناس باللقاح؛ أي على مدى إزالة أو تضييق الوسط الذي يسمح للفيروس أن يتكاثر وينتقل للناس. البيئة المناسبة لحياة الفيروس هي داخل جسم الانسان. فطالما بقي الفيروس في أجسام بعض الناس طالما بقي احتمال انتقاله إلى أناس لم تتطور مناعتهم بعد ضد الفيروس.

أما عن نظريات المؤامرة، فإن المروجين لهذه النظريات هم أكبر المتآمرين و المستفيدين من الترويج للمؤامرة. ترامب مثلا أحد أكبر المروجين لنظريات المؤامرة تجاه كوفيد-١٩. لكن من منا بات يجهل ان ترامب اكبر مزور وأكبر باحث عن الربح بأي ثمن، حتى لو كان الثمن موت عشرات الملايين من الناس حول العالم. 

بالعودة إلى حرية الفرد في الامتناع عن أخذ اللقاح. هل يحق للناس الامتناع عن أخذ اللقاح؟. أنا أؤمن بالحرية الفردية. لكن إذا كانت الحرية هي أسمى طموح البشر فإن للحرية حدود. وأول حدودها عدم التسبب بالضرر للآخرين. الحرية المطلقة ليست موجودة إلا في عالم الغابة. 

 لذلك أعتقد أنه ليس من حق أحد الامتناع عن أخذ اللقاح. هذا الامتناع يعني إعطاء فرصة للفيروس ان يزدهر و يتوسع ويصيب آخرين. فلو تم تلقيح جميع الناس على الكرة الارضية لانتهى الفيروس إلى الأبد خلال شهر. لكن بقاء أعداد كبيرة من الناس بدون مناعة في مناطق تعاني منه يعني أن الفيروس ما يزال يجد في أجسامهم وسطا للتكاثر والانتقال إلى الآخرين. 

هذا يعني أنه كلما تم تعميم اللقاح على أكبر قدر من الناس كلمت تمت محاصرة الفيروس تمهيدا للتخلص منه. وهكذا فإن من يمتنع عن أخذ اللقاح إنما يترك نفسه عرضة للاصابة و نقل العدوى لغيره. و قراره بعدم أخذ اللقاح يشكل اعتداءعلى الآخرين بما يسببه لهم من فرص نقل العدوى لهم. و إذا كان أول مبدأ للحرية هو ألا تشكل حريتك اعتداء على الآخرين فإن من يرفض اللقاح إنما يعتدي على الآخرين بما يحمله داخل جسمه من فرص لازدهار الفيروس ومن ثم نقل العدوى للآخرين. 

فما رأيكم؟ هل الفرد حر في رفض أخذ اللقاح؟ 

أخيراً اعترف انني ترددت في طرح هذا الموضوع لأن البؤس في بلادنا قد يجعل مثل هذا النقاش ترفا فكريا لا  طائل منه.  لكنني أغامر و اطرح الموضوع.

Print Friendly, PDF & Email