هل المحكمة الدولية المختصة بقضية الحريري مسيسة؟ (Is the Special Tribunal for Lebanon politicised in relation to the Hariri case?)

Lebanon special tribunal
بقلم منذر هنداوي

ما معنى أن تكون المحكمة مسيسة؟ إنها تعني أن احكامها لا تستند إلى الادلة والشواهد، بل إلى المصالح السياسية، أي أن دور القاضي في المحكمة المسيسة يشبه دور مفتي السلطان الذي يتلاعب بالقوانين ليصدر أحكاما لا تتوافق مع القانون أو روح الشريعة، بل تتوافق مع رغبات السلطان أو الحاكم. 

صحيح  أن تعبير مفتي السلطان اشتهر في الدولة العثمانية إلا أن ما يشبه هذا المفتي كان موجوداً في العهود الماضية في قضاء الدول الغربية. لكن مع تحول البلاد الغربية إلى ملكيات دستورية أو جمهوريات تسودها أنظمة ديمقراطية ترسخ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية. 

هذا الفصل جعل من الصعب جداً على السلطة التنفيذية أن تُمارس الضغط على أي قاض كي يحكم لها وفق ما تريد. قد تحصل أخطاء في حكم القضاة، و قد يكون بعض القضاة متحيزين ضد متهمين، لكن عندما يتم الكشف عن مثل ذلك الانحياز تسجل فضيحة كبرى في القضاء. فضيحة تستوجب استقالة القاضي أو عزله أو حتى سجنه من قبل محكمة مختصة. لا يوجد في الغرب ملك او رئيس أو رئيس وزراء فوق القضاء. كلهم تحت سلطة القانون و تحت حكم القضاة الذين يحكمون بالقانون. حتى ترامب الذي كثيرا ما تلاعب، فإنه إن ضبط بذنب يحاسب عليه القانون، لا يمكنه أن يؤثر على القاضي الذي يحاكمه. 

في قضية الحريري تتلاحق الاتهامات في بلادنا ضد المحكمة بأنها مسيسة. قبل إصدار الحكم كان حزب الله لا يتوقف عن اتهام المحكمة بأنها مسيسة. وهو بذلك يعني أن الساسة في الدول الغربية وجهوا القضاة كي يصدروا حكما ضد حزب الله. بعد اصدار قرار المحكمة تغير الوضع قليلا فصار كثير من خصوم حزب الله يتهمون المحكمة بأنها مسيسة. أي أن القضاة حكموا بأوامر من الساسة الغربيين على براءة حزب الله. 

كلا الموقفين باطل و يتغذى من أفكار، أو ربما من أوهام التفكير المؤامرتي الذي يصور الغرب في حالة تآمر مستمر على بلادنا. كلاهما يستند إلى ما اعتدنا عليه في دول القهر والاستبداد من تلاعب الحكام بالقضاء. كثيرا منا لا يدرك جيداً معنى استقلال القضاء. لا نستطيع تصديق أن القضاء يحاكم وزيرا أو رئيساً. وقد لا نستطيع استيعاب أن القضاء الإسرائيلي وضع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود أولمرت بالسجن ١٨ شهرا بعد إدانته بالرشوة. قد لا نصدق أن رخصة السواقة سحبت من الأمير فيليب زوج الملكة البريطانية نتيجة ارتكابه مخالفة سير. 

طبعا هناك دوافع أخرى لاتهام المحكمة بالتسييس و خصوصا من المتآمرين الفعليين الذين يروجون لنظرية التسييس ونظرية المؤامرة الكونية ضدهم. و بالتحديد فإن ترويج حزب الله لنظرية التسييس لا يعني أن على خصومه أن ينقادوا إلى مواقف مشابهة باتهام المحكمة بالتسييس. 

من يريد أن يتوصل إلى الحقيقة عليه ألا يرد على اتهامات الخصم باتهامات معاكسة. بل عليه أن ينصت إلى صوت الحقيقة و يعرف كيف يعمل القضاء ليبني حكما يطمئن له. الاتهام سهل لكن إثباته يحتاج جمع الأدلة و إعمال العقل فيها قبل إصدار حكم. علينا أن نتعرف ولو قليلا على طرق عمل القضاء المستقل. القاعدة الأولى في القضاء أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أي انه مهما كانت الأدلة شبه دامغة فلا بد من تفحصها بدقة و التأكد من مضامينها ثم عرضها على هيئة محلفين من خلفيات مختلفة للاستئناس بآرائهم لما عرض عليهم من أدلة. 

لو فجر شخص مبنى حكومي بمن فيه فلا يستطيع القاضي التسرع في إصدار حكم ضده إلا بعد الكثير من التدقيق بالدوافع والفحوصات بما في ذلك الفحوصات النفسية. المتهم ليس مجرما حتى و لو قبض عليه بالجرم المشهود. يصبح مجرما فقط بعد إصدار الحكم عليه من المحكمة. أنت كمواطن قد تقتنع أنه مجرم و لكن هذا يبقى رأيك و ليس حكم محكمة. 

وبالعودة إلى الحكم الصادر فإن المحكمة وجدت دوافع سياسية لحزب الله في الاغتيال، وهذا بالتحديد ما قالته: “ترى المحكمة أن سوريا وحزب الله ربما كانت لهما دوافع للقضاء على السيد الحريري وحلفائه السياسيين، لكن ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها دور في اغتيال السيد الحريري وليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر”.

المحكمة أدانت سليم جميل عياش المنتمي إلى حزب الله، لكن هذا لا يعني أنه تصرف باسم حزب الله، أو مدفوعا من قيادة حزب الله. ربما تكون انت أو أنا مقتنعين بأن الحزب أمر باغتيال الحريري، لكن في القضاء هذا يحتاج إلى أدلة. أنا بالتأكيد لا أدافع عن حزب الله، بل عن طريقة عمل المحكمة و طرق إدانتها للمتهمين. فمن وجهة قانونية ربما يكون تصرف المحكوم عليه سليم عياش من منطلقات شخصية أو من جهة لا علاقة لها بحزبه. الاتهام في هذا الحال يجب أن يتوفر له أدلة مباشرة. و اشدد على كلمتي أدلة مباشرة. 

الأدلة ضد حزب الله لن تقود إلى حكم يدين الحزب ما لم يخضع هذا الشخص المحكوم عليه للمسائلة واستكمال الأدلة عن تورط حزب الله كمؤسسة. لكن بغير ذلك لا يمكن الإدانة من وجهة قانونية.

و الآن تبقى القضية ما إذا كان حزب الله سيسلم هذا المحكوم عليه سليم عياش إلى المحكمة أم لا! أغلب الظن أنه لن يسلمه. وهذا يعني أن الشبهات حول دور حزب الله في اغتيال الحريري لم تنته بعد و خاصة أن المحكمة وجدت دوافع سياسية لدى حزب الله لاغتيال الحريري.

Print Friendly, PDF & Email