المؤامرة بين الخرافة و الواقع (The conspiracy: Between myth and reality)

Corona myths vs reality
بقلم منذر هنداوي

لا يمكن إنكار وجود مؤامرات في العالم، لكن هل العالم محكوم بمؤامرة كونية ما؟  في الحديث عن وباء كورونا تم الترويج إلى أن انتشار هذا الفيروس جزء من حرب بيولوجية شنتها هذه الدولة أو تلك. هناك بالتأكيد أبحاث لدى كثير من الدول تتم في إطار الحرب البيولوجية. لكن هل انتشار الكورونا يدل على أنها حرب بيولوجية من طرف ما؟. الجواب باختصار بالتأكيد لا.

 أول مبدأ في تطوير السلاح البيولوجي أو الجرثومي هو تطوير اللقاح الذي يقي البلاد عند استخدام السلاح البيولوجي ضد العدو. إضافة إلى اللقاح، يتم تطوير العلاج لإعطائه لمن يصاب بالخطأ. في عام ١٩٩٧ حاولت اسرائيل اغتيال خالد مشعل بحقنه  بسلاح جرثومي أو كيميائي غير معروف. لكن العملية انكشفت مباشرة خلال تنفيذها من خلال القبض على اثنين من عناصر الموساد المتورطين في عملية الاغتيال. بعدها اضطر نتنياهو مرغما بضغط من الرئيس بيل كلينتون إلى تسليم المصل المضاد. أعطي المصل إلى خالد المشعل و شفي تماما بعد أن شارف على الموت. 

الآن لو كانت هناك مؤامرة من أي جهة فهل كانت الإصابات ستطال قيادات كبار مثل رئيس الوزراء البريطاني و وزراء في حكومته، و ولي العهد الأمير تشارلز و وزراء و عسكريون وأعضاء في الكونغرس و قياديين في كل البلاد الغربية، بل وحتى في الصين؟ بالتأكيد إن انتشار الفيروس كورونا لا يقع بالمطلق في إطار الحرب البيولوجية التي يتم الترويج لها خصوصا في الشرق الأوسط. 

التفسير المؤامراتي لما يحصل تفسير مزيف لا يصمد أمام أي مراجعة نقدية بسيطة. انه يهدف للدعاية والترويج وليس إلى البحث عن الحقيقة. إنه لا يستند إلى أي منطق سوى الإنكار والمكابرة. إنه تفسير يستغني عن رؤية الواقع ومعالجة المعلومات ليحيل القارئ إلى عالم من الأوهام والخرافة. وهو بالمحصلة تفسير يهدف إلى إبعاد المسؤولية عمن يروج للمؤامرة وإحلالها على الخصم الخبيث المتربص! وفق هذه النظريات يلعب المروج لها دور الضحية و يقع اللوم على المتآمر. 

لا أحد في العالم ينكر وجود مؤامرات. هناك دوما مؤامرات صغيرة و مؤامرات كبيرة. وهناك مؤامرات يقوم بها بضعة أفراد و مؤامرات تقوم دول وأجهزة استخباراتية ضخمة. هناك مؤامرات يقوم بها الخصوم، ومؤامرات نحن من يقوم بها. هناك مؤامرات تنجح ومؤامرات تفشل. لكن أغلب المؤامرات الكبرى يتم الكشف عنها وعن أركانها ولو بعد حين، إلا المؤامرات التي لا ينفك يروج لها المروجين في منطقة الشرق الأوسط. إنها ماثلة في الرؤوس كغيم أسود لا يتحرك و لا يفتح بقعة صغيرة يدخل منها النور لرؤية العالم ولو بقليل من الضبابية، لكن أقرب الى الواقع. 

علاوة على نظريات المؤامرة هناك الإقبال على ما يقوله المنجمون لمعرفة ما سوف يحصل. عدد من الإعلاميين في الشرق بل وحتى في الغرب تحدثوا أن عرافة بلغارية عمياء اسمها بابا فانجا تنبأت بانتشار فيروس خطير في٢٠٢٠ قبل نحو عشرين سن، و يدعمون آراءهم بان عددًا من تنبؤاتها تحققت. لهؤلاء يمكن القول أن الأخطبوط المسمى بول Paul نجح مرارا في توقع المنتخب الفائز في تصفيات كرة القدم، خاصة التي كان المنتخب الألماني طرفا فيها، في عامي ٢٠٠٨ و ٢٠١٠ في نهائيات كأس العالم. 

في عالم الإحصاء والاحتمالات فإن احتمال الصواب ممكن مهما كانت الضربة عشوائية. العرب قالوا قديمًا رب رمية من دون رام. قالوها لشخص لا يعرف الرماية لكنه رمى السهم فأصاب بؤرة الهدف بدقة أكثر من كل الرماة. لكنه بالتأكيد لو عاود الرمية ألف مرة لما تفوق على أي منهم. في عالم الاحتمالات احتمال الواحد بالمليون أو بالمليار يمكن أن يتحقق. هذا لا يعني أن المنجم أو الأخطبوط قرأ بعبقرية فذة المستقبل، بل يعني أن الحظ حالفه كما يحالف من يربح الجائزة الكبرى من سحب ورقة يانصيب. ولعل أفضل تعبير تجاه التنجيم: (كذب المنجمون ولو صدقوا). 

في عالم الجهل والخرافة يكثر التنجيم، ويزيد مفعول الخرافة، ويزيد التنظير حول المؤامرات. عالم الخرافة ليس حصرًا على الشرق الأوسط، بل إنه موجود حتى في الغرب. لكن وجوده في الغرب ضئيل و لا يوازي نسبة بسيطة مما هو موجود في الشرق الأوسط. بكل الأحوال لا يمكن لعاقل في الشرق أو الغرب الركون للتنجيم أو لنظريات المؤامرة في تفسير ما يجري بهذا العالم. المؤامرات مهما حبكت جيدا لا تحكم العالم. العالم لا يمشي وفق خطط البشر. البشر يؤثرون في الطبيعة و بمسيرة المجتمعات البشرية، لكنهم لا يُخضعون الطبيعة ولا المجتمعات إلى خططهم المحكمة. للتاريخ مكره، وللطبيعة مكرها، ولا يستطيع الإنسان مهما اجتهد أن يخضعهما لمكره وخططه. 

يستطيع العلماء اليوم أن يتنبؤوا بحدوث تسونامي والزلازل و البراكين، بل وحتى الثورات الاجتماعية. لكن لا يستطيعون تقدير حجم الانفجارات، ولا المسارات التي ستسلكها، ولا تأثيرها، ولا متى بالضبط ستحدث. لا الماسونية العالمية ولا اللوبيات القوية في امريكا و لا حكماء صهيون يحكمون العالم. هؤلاء ليسوا آلهة كي نركن إلى تصوراتنا المغالية التي تصور أنهم يحكمون العالم ويتأمرون علينا وأننا ضحايا كيدهم الأبدي ضدنا. 

العالم لا يمشي وفق ارادة بشرية شيطانية. هذا الوباء ليس من صنع مؤامرة قام بها المتآمرون. بكل بساطة، لم يكن بالإمكان التنبؤ بحدوثه. والمحاسبة الكبرى لقادة العالم ليست لأنهم عجزوا عن التنبؤ به، بل لأنهم لم يتصرفوا بسرعة لاحتوائه بعد أن اكتشفوه وعرفوا مخاطره وسرعة انتشاره. و ربما أيضاً يمكن انتقادهم لضعف التحضير لاحتمال حصول وباء ما، لكن لا يمكن لومهم على عدم تنبؤهم بحدوث الوباء. 

الصين أخطأت في البداية بعدم الاستماع لشهادة الطبيب لي وينليانغ الذي كان أول من حذر أن هذا فيروس جديد متحول من سلالة كورونا. تم اعتقال الطبيب بتهمة بث اشاعات كاذبة، وعاد إلى عمله بعد أن وقع تعهداً بعدم نشر الشائعات. لكنه أصيب بالفيروس و توفى. بعد ثلاثة أسابيع تنبهت الحكومة الصينية لمدى المخاطر من هذا الفيروس، وبدأت حملتها الكبرى التي لا نظير لها في العزل ومحاصرة الوباء. بعد انحسار موجة الوباء في الصين اعتذرت الحكومة لأسرة الطبيب ودفعت لها مكافأة مالية قدرها ٨٢٠ ألف يوان صيني وسحب بيان التوبيخ الذي وجه ضده، علاوة على إصدار عقوبات تأديبية بحق ضابطين أشرفا على التحقيق معه. 

ترامب و جونسون و قادة آخرون أخفقوا بالتصدي المبكر للفيروس. رئيسة وزراء النرويج اعتذرت لشعبها عدة مرات لأنها تأخرت يومين في تطبيق حزمة الإجراءات  في محاصرة كورونا. فهل أخطاء هؤلاء القادة في الصين أو في الغرب، رغم جسامتها تشير إلى أنهم  خططوا لنشر الفيروس أو أنهم صنعوه، كما أشيع كثيرا؟ بالتأكيد لا. وإنه لعار كبير أن يتمسك أحد بنظرية المؤامرة بعد كل ما انكشف عن الصراع العالمي مع هذا الفيروس. 

الموضوع المهم بالنسبة لنا في الشرق الأوسط تحديداً هو تفحص نظريات المؤامرة و مدى مصداقيتها. يجب أن نسأل لماذا تنجح مؤامرات الأعداء دوما، بينما لا تنجح أبدًا مؤامراتنا؟. و لماذا منطقتنا دون العالم ضحية المؤامرات، بينما العالم يتشفى بالنظر إلى هزائمنا؟ وإني لأتهم المروجين للمؤامرات بأن ما يروجونه بحد ذاته يمكن أن يرقى إلى مؤامرة تهدف للتضليل لا لكشف الحقائق. ويبقى السؤال الأهم على الإطلاق: هل صار لدينا الاستعداد لمواجهة هذه الأسئلة الصعبة؟.

Print Friendly, PDF & Email