المحاصصة الطائفية محاصصة في الفساد  (Sectarian quotas are allotted to corruption)

Iraqi sectarian quotas
بقلم منذرهنداوي

وردت هذه العبارة “المحاصصة بالفساد” على لسان رجل الدين الشيعي إياد جمال الدين في سياق حديثه عن الفIraqساد في العراق. منظمة الشفافية العالمية تصنف العراق بأنه “الأكثر فساداً بين دول العالم”(١) ربما لم يعد يوجد في العراق سياسي واحد من أصحاب المناصب العليا أو حتى مسؤولين على مستوى المحافظات لم ينغمس في الفساد. يشرح جمال الدين أن الفساد كان موجوداً منذ حكومة علاوي عام ٢٠٠٤. فقد كان توظيف شرطي في ذلك الوقت لا يتم إلا بدفع رشوة تعادل ٢٠٠ دولار. و تزداد الرشوة بزيادة أهمية الوظيفة(٢)حتى منصب وزير صار يتم شراؤه في العراق. 

في عهد نوري المالكي تغول الفساد و صار نظاما مؤسسا متحكما بالعراق من خلف ستار. الفاسدون يديرون الحكم كما تدار الدمي من خلف ستار على مسرح الدمى المتحركة. جيش مسلح بأفضل عتاد قوامه ٤٠ ألف مقاتل لا يصمد يوما واحداً أمام مليشيا لداعش قوامها أقل من ١٥٠٠ مقاتل في الموصل. لم تكن قوة داعش الأسطورية هي من كسرت الجيش، فقدرات داعش لا تقارن بقدرات أصغر جيش محترف بالعالم. من هزم جيش العراق في الموصل كان الفساد الذي ساهم بوضع قيادات في الجيش مهمتها تركزت على إهانة و ابتزاز و سرقة الناس في الموصل، و ليس الدفاع عن الوطن. 

و رغم هذه الهزيمة المدوية للجيش ذهب نوري المالكي لإيران وأخذ منها الحماية و الدعم و المشروعية من جديد و كأن جريمة سياسية لم ترتكب. كل هذا الذي يحصل أمام أنظار الشعب العراقي، و نسأل لماذا ينفجر غضب الناس ثورة ضد الفاسدين ومن يدعمهم؟ و من يدعمهم أكثر من إيران! ومن دعم المالكي غير إيران التي استبسلت في التمسك به رغم كل الفساد الذي يمثله! لكن كيف لا تدعمه وهو المنفِّذ الأمين لتعليماتها.

الانتفاضة في العراق بدأت باحتجاجات على انقطاع الكهرباء لساعات طويلة كل يوم خلال موجة حر قاسية. فقد انفقت الحكومات منذ ٢٠٠٣ و حتى ٢٠١٨ أكثر من ٤٠ مليار دولار على قطاع الكهرباء دون حل لأزمتها. (٣)  هذا الإنفاق كفيل ببناء منظومة كهرباء جديدة بالكامل وجعل العراق مُصَدِّراً للكهرباء. لكن رغم ذلك بقي الإنقطاع في الكهرباء يصل إلى ١٢ ساعة في اليوم. فكيف يحصل هذا لولا الفساد و النهب. أبناء العراق يعرفون جيدا كل الفاسدين فهم يدفعون الثمن لهذا الفساد بصبر لعل قادتهم يرأفون بأحوالهم. 

انقطاع الكهرباء لم يكن إلا الشرارة التي أخرجت الغضب المتراكم في العراق ضد الفساد وإيران بآن معاً. و الغضب هو قبل كل شيء غضب الشيعة ضد نظام حكم يدعي أنه أتى كي ينصفهم و يسترد حقوقهم. نوري المالكي نجح في الانتخابات العراقية بسبب شعار واحد (أنا مختار العصر)،  و المختار في الرؤية الشعبية الشيعة هو من سينتقم من أحفاد يزيد،(٤). أي أن رجل إيران نوري المالكي نجح بخطاب طائفي موجه لعقول البسطاء. لكن أين يوجد احفاد يزيد؟ إنهم موجودون في العقول الصدئة التي لا شغل لها غير الاستثمار في الطائفية كي تحكم و تتسلط. 

الشيعة العراقيون لا يكرهون الإيرانيين. صدام حسين حارب إيران ٨ سنوات و انتصر عليها، لكنه فشل في إدخال الكراهية في نفوس شيعة العراق تجاه إيران. الشيعة في كل العالم تجمعهم مشاعر واحدة حول مظلومية الحسين وتعاليم مذهب واحد يؤمنون به، ولا يمكن لحاكم أن يغير هذا. لكن إيران تمكنت من فعل ما فشل فيه صدام، و جعلت شيعة العراق يكرهون إيران. هذه الكراهية هي من دفعتهم إلى حرق الرموز الشيعية الإيرانية و صور المرشد خامنئي في أكثر الأماكن قدسية للشيعة في كربلاء، و في كل محافظات جنوب و وسط العراق. 

لماذا يحرق شيعة من العراق الرموز الشيعية الايرانية؟. هل اكتشفوا فجأة أن المذهب الشيعي الايراني فيه خلل؟ بالتأكيد لا، لكنهم اكتشفوا أن من يدعم الفساد الذي يدمر حياتهم هم حكام إيران الذين يدعون تمثيلهم للشيعة، لكن تبين أنهم يستغلون الشيعة لأجل الهيمنة والسيطرة. لو كانت ايران مهتمة بشيعة العراق لما دعمت الفاسدين فيه. خطيب جمعة طهران في رده على المظاهرات ضد إيران يَصف شيعة العراق بأنهم شيعة إنكليز(٥). أو ألعوبة بيد الغرب. أو أن المندسين الصهاينة و الأمريكان بينهم يحرضونهم على إيران. إنهم لا يدركون، أو لا يريدون أن يعترفوا أن ما يحصل في العراق هو ثورة شيعة العراق ضد تسلط إيران الحامية للفاسدين في العراق. انهم لا يدركون أنهم وحدوا الشعب العراقي بكل طوائفه على مطلب واحد ضد الفساد. و أن الراعي الأكبر للفساد في العراق صار نظام المحاصصة الطائفية الذي استقطب أفسد الفاسدين إلى الحكم.

فهل تنجح هذه الثورة ضد الفساد؟ أم أن إيران والدول الفاعلة في المشهد العراقي سوف يسارعون للتفاهم و إعطاء الثائرين بعض التنازلات كي يعودوا إلى بيوتهم! وزير الخارجية الإيراني دعى دول الخليج للتفاهم لحل مشاكل دول المنطقة. لكن اذا إتفقت السعودية و إيران على شيء فلن تتفقان إلا على لجم شعوب المنطقة و منعها من مساءلة حكامها. لا أحد يدري كيف ستسير الأمور في منطقة الشرق. الأكيد الذي لا خلاف عليه أن شعوب هذه المنطقة ما تزال من بين الشعوب الأكثر تعرضًا للنهب، و أنها محكومة من أنظمة هي من بين الأكثر فساداً في العالم، و أنها الأقل حرية في العالم. هذا الواقع سيبقى يولد غضبًا و انتفاضات و ثورات حتى تحصل شعوب هذه المنطقة على حقوقها في المواطنة من عدالة ومساواة و حرية مثل باقي شعوب الأرض. 

مفتاح الحل في العراق بات كامن في كسر نظام المحاصصة الطائفية. فهذه المحاصصة تحولت إلى نظام أخطبوطي اخترقت أذرعته كل مكونات العراق، و جعلت أفسد الفاسدين يتسابقون لتمثيل السنة و الشيعة و الكرد. والحقيقة أنهم يتسابقون على نهب العراق باسم نظام محاصصة طائفية ولد مشوها و تغول حتى صار حلفًا بين زعماء الطوائف ضد عامة الشعب في العراق.

١- http://www.alhayat.com/article/923124/العراق-يتصدر-لائحة-الدول-الأكثر-فسادا-في-العالم

٢-  https://youtu.be/MCX7pyb_UEQ

٣- http://rawabetcenter.com/archives/84986

٤-  https://youtu.be/MCX7pyb_UEQ

٥- https://www.alarabiya.net/ar/iran/2019/11/01/خطيب-جمعة-طهران-يخوّن-متظاهري-العراق-شيعة-الانجليز-

Print Friendly, PDF & Email