هل حقاً عاد غورو؟ هل حقاً أن فرنسا تعد لانتداب جديد على لبنان؟ (Has General Gouraud really returned to Lebanon? Will France reimpose its mandate over Lebanon?)

On calls for France to reimpose its mandate over Lebanon
بقلم منذر هنداوي

تم التوقيع في لبنان على عريضة للمطالبة بعودة الانتداب الفرنسي. هذه العريضة أثارت حفيظة كثير من الناس. بعض التخوف من هذه العريضة محق لأسباب وطنية تتعلق بالسيادة. لكن أغلب التخويف والتهويل من مخاطر عودة الاستعمار له مآرب لا علاقة لها بالوطنية و لا بالسيادة ولكن باستمرار التركيبة الحالية للأنظمة الراهنة. فجأة ظهر التخويف المفاجئ من عودة الجنرال الفرنسي غورو و كأنه يقف الآن على أبواب بيروت! وفجأة تثار الشبهات حول زيارة الرئيس ماكرون وكأنها بداية العودة للاستعمار الفرنسي

الاستعمار أو الانتداب الأجنبي لن يعود، ليس لأننا نرفضه في بلادنا وحسب بل لأنه مرفوض من القوى الأجنبية ذاتها. فمن له مصلحة وقدرة على حكم مجتمعات تنتشر فيها الميليشيات والمافيات بكل أنواعها وكذلك الأسلحة والقدرة على تصنيعها محليا. لو وقع مليوني شخص في لبنان على العريضة وليس فقط ٣٦ ألف لرفضت فرنسا العودة لانتداب لبنان. الانتداب كان ممكنا قبل قرن حيث عدد السكان محدود وحيث لم تمتلك البلاد وقتها الامكانيات الادارية على حكم نفسها. فقد كانت البلاد العربية تعيش حالة من الأمية والجهل والتخلف وقلة السكان، مما أعطى المبررات النظرية للانتداب في عصبة الأمم المتحدة.

غورو لن يعود مطلقا. لكن السؤال الحقيقي ليس في عودة غورو بل فيما إذا كان في بلادنا من هم أسوأ من غورو؟ من أوصلوا لبنان إلى هذه المِحنة من تفقير الناس ونهب مدخراتهم وتدمير بيوتهم وسفك دمائهم أليسوا أسوأ من غورو!؟ بلى إنهم أسوأ بألف مرة منه. لم يحصل دمار في عهد غورو مثل ما نراه يحصل في المنطقة برمتها على ايادي قيادات من أهل البلد. الانتداب الفرنسي بنى المدارس والإدارات الحكومية الحديثة وأسس لدولة القانون و أرسى بعض قواعد الديموقراطية. فماذا فعلت القيادات الوطنية المتحكمة في هذا القرن الحادي والعشرين؟! كل النخبة السياسية المتحكمة في لبنان أسوأ من غورو. و من يخوّف الناس من عودة غورو عليه قبل ذلك أن يسأل لما وصل الاحباط لدى الناس حدا صاروا يستغيثون به بالانتداب؟ من يتجاوز هذا السؤال، ويراوغ كي لا يجيب عليه إنما هو متحالف مع شياطين أسوأ من غورو.

Print Friendly, PDF & Email