فشل الديمقراطية. (The failure of democracy)

Broken democracy
بقلم منذر هنداوي

الديمقراطية تشترط النزاهة في ادارة الانتخابات، والصدق في التعبير عن البرامج الانتخابية للمرشحين، و نظاما انتخابيا عادلا يعكس ارادة الناخبين، و وعياً يمكن الناخبين من حسن الاختيار. إذا حدث خلل في أحد هذه الشروط تصاب الديمقراطية بفشل كبير. والحديث عن هذا الفشل لا يدخل في إطار الإثارة ضدها، إنما في إطار عمل كل عاقل حريص على تطور الديمقراطية. 

لا حاجة للتعليق على الديمقراطية في الشرق الأوسط فهي ماتزال تحبو و لم تخطو الخطوة الأولى لا في النزاهة و لا في اختيار نظام ينتشلها قليلا من مخالب الفساد والاستبداد. لكن النقد يوجه للديمقراطية في الغرب التي هي مصدر إلهام للمؤمنين بها حول العالم. 

المملكة المتحدة في خطر في ظل قيادة بوريس جونسون الذي نجح بانتخابات ديمقراطية. حزبه، أي حزب المحافظين، حصل البارحة في الانتخابات العامة على ٣٦٣ مقعد في البرلمان. هذا يعادل ٥٦٪ من إجمالي عدد أعضاء البرلمان الذي يبلغ ٦٥٠ نائب. لكن نسبة التصويت الشعبي من مجمل الناخبين كانت بحدود ٤٣,٦٪. اَي بأقل من نصف الناخبين بكثير حصل المحافظين على أغلبية برلمانية كاسحة. 

سبب هذا النجاح أن النظام الانتخابي في بريطانيا لا يراعي النسبية في التصويت. فمثلا لو حصل في دائرة انتخابية ما مرشح أول على٣٥٪  من الأصوات، و مرشح ثان على ٣٠٪، و ثالث على ٢٥٪،  و رابع على ١٠٪ من مجمل الأصوات، فإن الذي حصل على ٣٥٪ ينجح بينما لم تنتخبه أغلبية تصل إلى ٦٥٪ من مجمل الناخبين. و لو تكرر نفس السيناريو على كل الدوائر الانتخابية لحزب ما لحصل ذلك الحزب على أغلبية مطلقة في البرلمان بينما التفويض الشعبي له لا يزيد عن ٣٥٪.  

لو جرت نفس هذه الانتخابات تحت نظام التمثيل النسبي، كما هو الحال مثلًا في إيطاليا، لكان عدد النواب المحافظين ٢٨٨ نائب وليس ٣٦٣ نائب. أي أقل ب ٧٥ نائب عن العدد الحالي. كذلك فإن حزب الليبراليين الديموقراطيين الذي حصل على ١١ نائب، كان سيحصل على ٧٦ نائب أي بزيادة قدرها ٦٥ نائب عما حصلوا عليه الآن.

هناك ملاحظات كثيرة أخرى ضد النظام الانتخابي البريطاني،  ولا أدعي أني خبير فيه، لكن عندما تكون القضية المطروحة للنقاش مؤثرة على العالم برمته يحق لكل شخص قول رأيه فيما يراه من خلل في هذه الأنظمة الديمقراطية، سيما وأن شعوب العالم تتطلع الى تعلم الديمقراطية من هذه الدول. 

خلل آخر في أمريكا في انتخابات الرئاسة ٢٠١٦. فقد فازت كلينتون على دونالد ترامب في التصويت الشعبي بحوالي ٢,٩ صوتًا زيادة على ترامب، لكنها خسرت في نظام الكلية الانتخابية الأمريكي فنجح ترامب و صار رئيساً. كذلك في انتخابات ٢٠٠٠  بين جورج بوش والغور، تفوق الغورو ب ٥٤٧٣٩٨ صوتًا زيادة على بوش لكنه خسر في الكلية الانتخابية وصار بوش رئيساً. تصوروا لو أن الغور المدافع بحماس عن حماية البيئة كان قد انتصر على بوش فكيف كان العالم اليوم! ربما لم نكن لنرى شخصاً مثل ترامب ابداً بالحكم. لكن طبعاً لا يمكن أن نتوقع بدقة مسيرة التاريخ. 

هذه مواضيع قيد نقاش، بل هي سببا لصراع كبير في بريطانيا و أمريكا. لكن بدائل هذه الأنظمة الانتخابية أيضا موضع نقد و صراعات بين تيارات فكرية متعارضة وأصحاب مصالح متناقضة. على كل حال الطامة الكبرى التي تعاني منها الديمقراطية ليس هنا. بل في التزوير من قبل محترفين يعملون بنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي كي يحرفوا نظر الناخبين عن القضايا الحقيقية التي تعاني منها المجتمعات. 

السنة الماضية ٢٠١٨ تمكنت الصحفية كارول كادوالادر من كشف كيف ساهمت شركة كامبريدج أناليتيكا بنجاح ترامب في انتخابات ٢٠١٦، وكذلك كيف ساعدت في نجاح حملة بريكست. كذلك تم الكشف أن الشركة ساهمت بالتلاعب في أكثر من ٢٠٠ عملية انتخابية عبر العالم. كل ما فعلوه استخدام معلومات المشتركين في الفيسبوك و التوجه لهم بإعلانات مدروسة جيدا للتأثير على خياراتهم. القناة الرابعة البريطانية صوّرت مسؤولين كبارا في الشركة يتحدثون عن استخدام الرشاوى والجواسيس والمومسات من أجل مساعدة المرشحين الذين يدفعون ثمن خدماتهم عن طريق وسطاء، أو من أجل تشويه سمعة المرشحين المنافسين.

كامبريدج أناليتيكا أعلنت إفلاسها بعد الفضيحة. لكن فحوى عملها في التزوير و خداع الناخبين صار مهنة عالمية ترعاها دول، و تمارسها شركات عبر العالم. لكننا لا نعرف كم عدد الشركات التي لا تزال تعمل بنشاط في هذا المجال السري، ولا كمية الأموال التي تنفق بالسر لتزوير الحقائق وحرف آراء الناخبين. 

لكن الخطر الذي يقف خلف كل هذا التزوير الذي انطلق من عقاله بصورة خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هو جشع رأس المال و توحشه في سبيل جمع المزيد من المال بكل الطرق بغض النظر عن أخلاقية هذه الطرق. مارك زوكربيرغ شاب جمع خلال عدة سنوات ثروة خاصة تزيد عن ٧٢ مليار دولار. أما القيمة السوقية لشركته فيسبوك فتزيد أضعافا عن هذا الرقم. رغم ذلك لا ينفق ما يذكر على ما يمنع أو يحد من الاساءة لاستخدام معلومات المشتركين على الفيسبوك. وعوضا أن يدخل باختراعه العظيم الفيسبوك التاريخ بفخر تجد أن هذا الفيسبوك صار أداة بيد المسيئين للديمقراطية لصالح اصحاب المال والنفوذ الذين صار واحدًا منهم. 

توحش رأس المال بلغ حداً جعل ترامب يقول أن نفط العراق يجب ان يكون ملكا لأمريكا. و يبرر ذلك بالأموال التي أنفقتها أمريكا على الحرب في العراق. لكنه نسي ما نهبه الجيش الأمريكي من ذهب وأموال و نفط من العراق و الذي يقدر بمئات المليارات. و نسي أن امريكا أعادت العراق ١٠٠ سنة الى الوراء كما هدد بوش قبل الحرب. لو كان هناك عدل لكان على أمريكا دفع مئات المليارات عما فعلته في العراق. 

لكن عندما تتلوث الديمقراطية في أقوى دولة بالعالم، وعندما يصل مهووسون إلى السلطة عن طريق التزوير و التهييج الشعبوي ضد الآخرين في أبرز ديمقراطية بالعالم، وعندما يصل إنكار مصالح الشعوب إلى هذه الدرجات التي يعبر عنها ترامب كل يوم  فلا عدالة تنتظر من هذه الدولة. و ما على الناس إلا أن يعتمدوا على أنفسهم من أجل الوصول إلى نظام يعبر عن طموحاتهم و يحمي و يحميهم. لكن الوصول إلى مثل هذا النظام يتوقف على نمو و تطور الوعي بين الناس. فلا حرية ولا ديمقراطية بلا تطور الوعي بين الناس. وهذا موضوع آخر.

Print Friendly, PDF & Email