ترامب ليس محارب، إنه تاجر (Trump is not a warrior, he is a merchant)

Trump with idiotic grin
بقلم منذر هنداوي

يخطئ من يتصور أن ترامب يخطط لمحاربة إيران. ترامب تاجر. لم يكن قط زعيماً سياسياً أو قائداً عسكرياً. محور اهتمامه خلال حياته كلها قبل أن يصبح رئيساً كان منصباً على الربح بأي ثمن، حتى من خلال التلاعب بالقانون. صحيح أن التجارة لها قوانينها و قيمها الأخلاقية و لها مساهمتها الكبيرة في الاقتصاد الوطني، لكن بالمقابل هناك في أمريكا، بل وفي كل بلاد العالم أثرياء لم يساهموا في بناء اقتصاد بلادهم، أو لم يعطوا بلادهم بقدر ما أخذوا أو نهبوا منها. و ترامب يبدو واحداً من هـؤلاء. 

مجال عمل ترامب تركز في المراهنات والقمار وتنظيم حفلات ملكات الجمال والمصارعة الحرة والمفبركة بآن معاً، والتي كانت تتم في الكازينوهات وصالات الفنادق التي كان يمتلكها. كل هذه الأعمال ليس لها علاقة بعالم السياسة ولا الحروب و لا المصلحة الوطنية لأمريكا.  كلها منصبة على الثراء الشخصي ولو كان على حساب الآخرين من أبناء الوطن، أو على حساب الوطن. ففي افلاسات شركات الكازينوهات التي كان يمتلكها تمكن ترامب من شطب مئات ملايين الدولارات من ديونه المستحقة و حمّل تلك الخسائر لدائنيه الأميركيين. فهل بهذه الخسارات يجعل ترامب أمريكا أولاً؟!

 لو قال تشرشل: بريطانيا أولاً، لصدقه كل بريطاني، فكل تاريخه العسكري و السياسي يوحي بوطنية تشرشل التي لم يكن ليتردد لحظة بالتضحية بنفسه من أجلها. بل حتى هتلر الذي وضع ألمانيا فوق الجميع، يمكن تصديقه بأنه كان يؤمن إيمانا راسخا بأن ألمانيا يجب أن تكون أولاً، و أنه كان مستعدا بالتضحية بكل شيء بما فيها نفسه للوصول إلى هذا الهدف. 

لكن عندما نسمع من ترامب يقول (أمريكا أولاً)، فماذا يعني؟ هل يعني أنها أولا و قبل مصالحه الخاصة؟ إنه بالتأكيد لا يعني ذلك. تاريخه كله كان مركزا على مصالحه أولاً. فعندما كان يبالغ في تقدير مركزه المالي أكثر من مرة كي يحصل على قروض لتمويل الكازينوهات، هل كانت أمريكا أولاً وقبل مصالحه؟ و عندما أعلن افلاسه عدة مرات ملحقاً  خسائر كبيرة بمن أقرضوه و استثمروا بمؤسساته هل كان يعني أمريكا أولاً؟ و هل عندما قبل بمساعدة أجنبية لينجح بالانتخابات كان يضع أمريكا و قوانينها أولاً. أمريكا لم تكن بكل هذا أولا، بل مصالحه الشخصية هي من كانت أولاً. 

(أمريكا أولاً) بالنسبة لترامب  تعني أن أمريكا يجب أن تكون فوق جميع الدول بحق أو بدون حق، بقوة القانون الدولي أو بالتحايل والتلاعب بالقانون الدولي. أنه يريد القفز بأمريكا بالضبط كما قفز بأعماله. و كما حمَّل مواطنين من بلده تبعات خساراته يريد تحميل دول العالم تبعات ضعف التنافسية الأمريكية. فهل بهذه الطرق تصبح أمريكا أولاً؟ بالتأكيد لا. أمريكا لم تصبح قوة عظمى خلال القرن العشرين إلا من خلال قوتها الاقتصادية الهائلة و تفوقها العلمي و التكنولوجي و قوتها العسكرية، علاوة على قيم الحرية التي دعمتها حركات ومنظمات أمريكية تؤمن بحقوق الإنسان و كسر الحدود بين الدول. 

نجاح ترامب في أعماله الخاصة، و في وصوله إلى السلطة لم يكن مبنياً على مبادئ راسخة في حبه لأمريكا ولا على ابتكاراته العلمية و التكنولوجية الفذة، ولا على احترامه للقوانين الأمريكية، بل على حسابات دقيقة لاقتناص أي فرصة تحقق له فرصة الصعود إلى الأعلى. و قد وجد ترامب في الانتخابات عدة فرص واقتنصها بنجاح. ومنها اللعب على وتر الدين و القومية أو بالأحرى الشعبوية التي أصبح ابرز رموزها في هذا العصر. 

من حيث القيم الدينية، ترامب لا علاقة له بأي دِّين أو إله. زيجاته المتكررة وفضائحه الجنسية و تحرشاته بالنساء، والدعاوى المقدمة ضده من مومسات والتسجيلات الصوتية المسجلة له والتي تظهر فحشاً كبيرا في حديثه عن النساء لا تشير إلى أنه رجل متدين. ومع ذلك فقد تمكن بطريقة انتهازية محضة أن يصبح بطلاً للمسيحين الإنجيليين في أمريكا حيث صوت له٨٠٪ منهم في انتخابات  ٢٠١٦. وبعد أن صار ترامب رئيساً صارت الصلوات تقام أسبوعيا بحضوره في البيت الأبيض. 

وزير خارجيته بومبيو لم يخجل وهو يقول إن الله أرسل ترامب لحماية اسرائيل من ايران. فهل حقاً أن الله أرسل ترامب لهذه المهمة؟! ألم يجد الله شخصاً مؤمنا وأكثر استقامة من ترامب للقيام بحماية إسرائيل؟ أم أن إله ترامب مختلف عن إله البشر !. بالتأكيد الله لم يرسل ترامب. لكن على الأرجح فإن ترامب ضحك و أثنى على بومبيو لهذه البدعة.  

أما عن عداء ترامب للإسلام فهو بالتأكيد لا يعرف عنه أكثر مما يعرفه تلميذ مدرسة بسيط. بالمقابل فإن علاقة ترامب مع رجال أعمال مسلمين وخاصة من دول الخليج فهي كبيرة جداً و فيها من البذخ والترف ما لا يوصف. لكن رغم هذا فقد عين نفسه حارسا لثقافة أمريكا “المسيحية” ضد الاٍرهاب الإسلامي. كل ذلك من أجل أن يركب موجة التخويف من الاسلام و يكسب أصوات الإنجيليين الذين يؤمنون بإسرائيل أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. 

أما عن القومية و الوطنية الأمريكية التي يحاول ترامب أن يصبح بطلها ليبقي أمريكا فوق جميع بلاد العالم، فإنه لا يستطيع أن يقف في وجه التاريخ. فقطار العولمة ماض رغم كل القيود. أمريكا قادت العولمة لزمن طويل. وقد ساهمت لعقود طويلة على فتح الحدود بين الدول لتسهيل مرور الناس و البضائع بأقل ما يمكن من القيود والرسوم الجمركية. ورغم كل المزاعم أن أمريكا تخسر في علاقاتها التجارية فإن معظم الدراسات تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي بالمحصلة من بين أكثر اقتصادات العالم استفادة من العولمة. لكن بالتأكيد ليس كل أمريكا تستفيد. بعض القطاعات تخسر. الصناعات الأمريكية التي لا تقوى على المنافسة في وجه البضائع الأجود والأرخص لا تستفيد، ولا تجد أمامها غير العمل على تحسين إنتاجيتها أو تغير نشاطاتها إلى مجالات تستطيع المنافسة فيها. لكن هؤلاء الخاسرين من العولمة هم الأقلية و ليسوا الأكثرية. لهذه الأسباب يلجأ الخاسرون إلى الدعاية بأن البلاد تتعرض للغزو التجاري و غزو المهاجرين بقصد استنهاض الشعور القومي ضد هذا الغزو. ومن أفضل من ترامب لركوب الموجة القومية ضد العولمة!

 نعم لا يوجد أفضل من ترامب لمثل هذه المهمة التي تتطلب كثيراً من الكذب و التظاهر لإثبات أن العولمة والمسلمين والمهاجرين هم سبب مشاكل آمريكا. فربما لا يوجد شخص في أمريكا كلها يجيد التظاهر كما يجيده ترامب. فهو لا يعرف الصدق، لكنه يجيد التظاهر بالصدق. يتظاهر بالقوة و الشجاعة لكنه ليس قوياً و لا شجاعاً لدرجة قول الحقيقة أمام شعبه. هذه الصفات ليست صفات قائد سياسي يسعى لتحقيق مصالح بلده العليا، ولا صفات قائد عسكري يحسب جيداً كيف تُربح الحرب. هذه صفات مقامر مخادع يجيد اللعب على حافة الهاوية دون أن يقع فيها. كل الحروب التجارية مع الصين والمكسيك و كل الحروب العسكرية التي يهدد فيها هدفها انتزاع تنازلات من خصومه لكن دون المضي بحرب طاحنة. 

لكن رغم كل ذلك فالحرب يمكن أن تقع على يد ترامب. فمن ناحية هو يعرف أن تعريته أمام الشعب الامريكي باتت مسألة وقت. وهذا دافع له لبدء حرب ولو كانت محدودة. و من ناحية ثانية فإن اللعب على حافة الهاوية التي اعتمد عليها في كازينوهاته و في تضخيم مركزه المالي تختلف كثيرا عن حافة الهاوية في السياسة. و قد يؤدي خطأ بسيط إلى سلسلة أعمال عسكرية تفجر صراعاً دامياً. وعندما ينفجر مثل هذا الصراع فلن تبق كلمة ترامب هي العليا، بل كلمة قادة الجيش و القوات الامريكية. وهؤلاء معظمهم من الصقور الذين يريدون إثبات عظمة أمريكا وهيمنتها مهما كانت التكاليف.

Print Friendly, PDF & Email