“أيهما أهم: دين الرئيس أم سلطاته” (Which is more important: the president’s religion or power?)

Power vs religion
قلم منذر هنداوي

اقتبس هذا السؤال من منشور طرحه الأستاذ عارف شعال. في سياق العرض يبدو السؤال موجهاً للمشرعين. لكنه بالتأكيد يهم كل مواطن حريص على حقه في المواطنة. من حق المواطن أن يؤمن بالدِّين الذي يريد. وواجب الدولة أن تحمي حق المواطن في ديانته و دور عبادته. لكن ليس من حق المواطن أن يستثمر انتماؤه لأي دين في الحصول على أي منفعة سياسية أو منصب مهما كان. ولا يجب حصر أي منصب في الدولة على أي دين أو مذهب. إذا كانت الانتخابات الحرة هي من تقرر فالناس ستنتخب من تريد، و ستتعلم تدريجياً كيف تنتخب الأنسب. 

قبل سبعة عقود قبل المسلمون في سورية برحابة صدر فارس الخوري وزيرا للأوقاف الإسلامية فيها. قبلوه ليس لأن الدستور خصص تلك الوزارة لمسيحي، بل لثقة الناس على مختلف انتماءاتهم ب فارس الخوري، ف ائتمنه المسلمون على أوقافهم رغم أنه مسيحي. فارس الخوري كان يمكن أن يكون رئيسا لسورية مقبولا من المسلمين لا فرق بينه و بين كل الرؤساء في ذلك الزمن. 

الحرب في سورية يفترض أن تعلمنا كثيراً من الدروس. فقد شاهد الناس كيف مورس الحكم و تطبيق الشريعة بأسوأ ما يمكن تصوره. ربما لم يسئ للاسلام أكثر ممن رفعوا رايات الدين و الطائفة في هذه الحرب. حكمهم كان استبداداً  أسوداً باسم الدين. زعماء ميليشيات مارسوا سلطات مطلقة فأساؤوا استخدام السلطة و أساؤوا للدين. صدق من قال “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”. فهل نطالب برئيس مسلم لكن مطلق الصلاحيات؟ أم رئيساً مقيد السلطات وفق ما ترسمه القوانين.
لننظر في تجارب غيرنا من الشعوب التي نجحت أكثر منا. دول الغرب غالبيتها تدين بالمسيحية. مع ذلك لا توجد نصوص مقيدة لديانة القادة السياسيين. لكن توجد نصوص مقيدة لسلطات الحكام في أعلى مؤسسات الحكم. أوباما حكم امريكا ٨ سنوات. لم يفصح بشكل قاطع عن دينه أو ميوله الإيمانية، و بقي بعض الناس يتساءلون إن كان مسلما أم مسيحياً. لكن هذا لم يغير في الأمر شيئاً؟ المهم أن الشعب نظر في برامجه و ليس في دينه وانتخبه. صار رئيسا قاد امريكا و دافع عن مصالحها، و نفذ ما وعد به من إصلاحات تمس الرعاية الصحية في برنامجه الشهير أوباما كير. 

لندن المسيحية في أغلب سكانها انتخبت عمدة لها رجل مسلم هو صادق خان من أصول باكستانية. انتخبته لانها وثقت في برنامجه الانتخابي. و عندما لا يكون بمستوى طموحات الناس يمكن أن تتخلص منه في انتخابات قادمة. لا يخاف اللندنيون من أن يؤسلم صادق خان لندن، فهو يعمل تحت سقف القانون لا فوقه. و هناك هيئات تشريعية، و منظمات مجتمع مدني، وإعلام، وقضاء كلها تراقب و تدقق و تتصرف وفق القانون بما يمكن أن يؤدي حتى إلى عزل خان إن هو تجاوز سلطاته . 

و في أمريكا رغم ان السلطات التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي واسعة إلا  أنها مقيدة و تحت سقف القانون. و منذ انتخاب ترامب و هو في صراع مع أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع التي يمكن ان تؤدي إلى عزله إن هو تمادى فوق صلاحياته. في قضية المهاجرين، التي يستثمرها ترامب في تأجيج شعبوية أمريكية، رفض البنتاغون استخدام القوات المسلحة بالطريقة التي أرادها ترامب في مواجهة مسيرة المهاجرين إلى الحدود الأمريكية طلبا للجوء فيها. القوات العسكرية يمكن أن تستخدم في حالة واحدة هي انهيار القوة الأمنية المشتركة المخصص لحراسة الحدود، و هذا ما لم يحصل و لا يتوقع له أن يحصل حسب البنتاغون. و إن أراد ترامب تغيير ذلك فعليه تغيير القوانين الناظمة كي يقبل البنتاغون بأن بتغيير صلاحيات القوات المسلحة. وليس مؤكداً أن ترامب سيتمكن من تغيير القوانين. فترامب تحت سقف القانون لا فوقه. و ليس له أن يأمر الجيش على هواه، و الجيش ينفذ له ما يريد. ولا ننسى كيف تمكن الكشف الصحفي في ووترغيت الى إجبار نيكسون على الاستقالة. كذلك فإن فرض الاستقالة على ترامب، أو حتى عزله لا تزال موضوع بحث في كل هيئات و مؤسسات المجتمع في امريكا منذ الفترة الأولى لانتخابه. و ترامب يعرف هذا جيداً لذلك كثيرا ما يتراجع عن تصريحاته أو يبررها، كما تراجع عما صرح به مؤخراً في اعتبار الرمي بالحجارة من قبل طالبي اللجوء بمثابة رصاص يستوجب رداً مماثلاً. 

و في بلادنا يجب أن تكون القضية الأولى في أي دستور جديد تحديد سلطات الرئيس و كيفية ضبط تجاوزتها. من أجل حق المواطن في انتمائه لدينه أو لطائفته، و من أجل حماية هذه الانتماءات بقوة القانون يجب تحرير كل مناصب الدولة، بما فيها منصب الرئاسة، من أي شرط يربط المنصب السياسي بأي دين. لا أمل بأي تقدم، ما لم يتم العمل تحت سقف الدستور على بناء أجهزة الرقابة القانونية والمجتمعية  التي تضمن التزام المسؤول بالقوانين الناظمة لعمله. النقلة الحقيقة نحو مجتمع متصالح مع نفسه و فيما بين طوائفه تكمن في تعلم الانضباط في العمل تحت سقف الدستور و القوانين. فقط بتعلم انضباط العمل بروح القانون يتعلم الناس على النظر في برامج المرشحين وليس في أصلهم و فصلهم و دينهم. إن رأى المواطن ذلك المرشح يمتلك برنامجاً جيدا، و يتمتع بمواصفات القيادة ينتخبه. فإن كان مسلما فليكن، وإن كان غير ذلك فلم لا! طالما تم انتخابه من قبل أكثرية الناخبين. المهم بناء الدولة و مؤسساتها وفق الدستور، و فتح المجال امام السلطات التشريعية كي تسن القوانين بما يعزز من التقيد بروح الدستور.

Print Friendly, PDF & Email