أردوغان تكلم أخيرا (Erdogan speaks, at last)

Erdogan and Khashoggi
قلم منذر هنداوي

بعد ثلاثة أيام من الترويج للخطاب المهم عن قضية الخاشقجي تكلم أردوغان، لكن دون أن يضيف شيئاً جديداً ذو أهمية بالمقارنة مع ما كان متداولاً و معروفا لمعظم المتابعين. كانت التوقعات أنه سيقول أكثر بكثير مما قال، وأنه سيشير إلى بعض التسجيلات والوثائق التي تثبت تورط النظام السياسي في المملكة في القضية، لكنه لم يفعل. عوضاً عن ذلك أثنى على الملك سلمان، وامتدح تعاونه في هذه القضية.  و اقترح، و أشدد على كلمة “اقترح”، أن تتم محاكمة ال١٨ شخص الذين اعتقلتهم المملكة في تركيا، فالمملكة لا يمكن أن تقبل بمثل هذا الاقتراح. 

من الواضح أن أردوغان أدار هذه الأزمة من بدايتها بحنكة سياسية وذكاء كبير. أطال أمدها، رغم أنه يمتلك من الأدلة ما يكفي لتوجيه الاتهام منذ اليوم الأول. رغم كل ما تحدث عنه من ضرورة التوصل إلى الحقيقة فإن هاجس العدالة و كشف الحقيقة ليس هو الهاجس الأهم بالنسبة لأردوغان، بمقدار هاجس الاستفادة من هذه الأزمة لعدد من أهدافه، ومن أبرزها: 

– تحسين علاقته مع أمريكا و الغرب عامة، 

– تأكيد زعامته للعالم الإسلامي، أو الإسلام السني بصورة خاصة

– وأخيراً تحسين وضع اقتصاد بلاده

– تعزيز مكانته العالمية و المحلية التي ستساهم في إطالة حكمه و ترسيخ نهجه و نهج حزبه في تركيا. 

بأسلوب ذكي من التسريبات نقطة بنقطة عن مقتل الخاشقجي و كيفية قتله: بالحديث عن إبرة المخدر، و عن المنشار الذي تم تقطيعه به، ثم عن ساعته المرتبطة بالموبايل، إلى دخول المحققين إلى القنصلية، ثم دخول بيت القنصل، وملاحقة السيارات و مساراتها و الأدلة الموجودة فيها، أقول من كل هذه التصريحات والتسريبات صارت قضية الخاشقجي قصة مشوقة و كأننا أمام قصة من قصص الجريمة المشوقة لأغاثا كريستي. هذا الأسلوب التشويقي ساهم بجذب ملايين الناس عبر العالم لمتابعة فك لغز  أو ألغاز هذه القضية. كل هذا جعل القضية قضية رأي عام عالمي فرض على كل وسائل الإعلام المتابعة و تسليط الضوء على المستجد في هذه القضية. 

لو دفع اردوغان عشرة مليارات دولار للدعاية له و لنظامه لما ربح مثلما ربح في إدارته لهذه القضية. معظم قنوات الإعلام في العالم بثت بشكل مباشر خطابه وهو يشرح مكانة بلده و دورها قبل أن يأتي على قضية الخاشقجي. 

إنه في موقع قوي و لديه المعلومات لكن لا يظهرها متذرعاً بأن هذه مهمة القضاء. و السعودية في أسوأ وضع يمكن تصوره. الأعداء ينظرون بشماتة. و الأصدقاء غير قادرين على المساعدة بعد ان أصبحت القضية متابعة من كل أصحاب الرأي. صديق ابن سلمان ترامب لا يستطيع فعل الكثير لهم رغم أنه يحاول. اوربا تقف موحدة في هذه القضية و تدين المملكة. لا أحد غير تركيا، أو  أردوغان تحديداً قادر على التخفيف ولو قليلاً من وطأة هذا القضية على السعودية. 

يبدو أن اردوغان غير مستعجل من أمره. فالأضواء مسلطة عليه و الاعلام العالمي يتبابعه و يتابع تصريحاته و تصريحات المسؤولين في بلاده. 

فإلى متى يتابع اردوغان بهذا النهج؟ أو أنه سيقبل المساهمة في مساعدة ابن سلمان لقاء مزايا و مساعدات كبيرة له؟ كيف سوف تتصرف المملكة؟ هل سيتابع الأمير المتهم ابن سلمان في اعادة تنظيف مؤسسات بلاده الأمنية و كأن لا دخل له بكل ما حصل؟ أم ستجد المملكة طريقا حقيقياً للتغير  و المكاشفة؟. تاريخ هذه المنطقة لا يبشر بالخير من قادة يتصورون أن الملك من حقهم الطبيعي، أو حقهم  الإلهي، و أن من أجل ذلك يمكن أن يضحوا بالبلاد و ليس بالحكم.

Print Friendly, PDF & Email