العيب فينا (The defect is in us)

Introspection

بقلم منذر هنداوي

هناك دروس نتعلمها من التجارب ربما أكثر مما نتعلم من الكتب. تجربة الحوارات على الفيسبوك علمتني أن محاورة خصم يتمتع بالشفافية أجدى من الحوار مع صديق مفترض لكنه أسير منطق لا يستطيع مراجعة نفسه. لقد اكتشفت من متابعتي لصفحات الفيسبوك أن أكبر أعدائنا ليس العدو الخارجي الذي نتسابق لتحميله أسباب كوارثنا، بل إنه العدو الداخلي القابع في عقولنا و نفوسنا. أكبر أعدائنا ليست اسرائيل، و ليست أمريكا، و ليست روسيا، و ليست إيران، و ليست تركيا و ليس حتى الاستبداد السياسي في بلادنا، بل إنها فيروسات الفكر التي تشوه التفكير إذ تجعلنا نندب حظنا العاثر عوضاً عن فهم لماذا تعثرنا. عيوبنا الكبرى ليست في الخارج بل في هذا الفكر الذي يجعلنا لا نرى الواقع كما هو بل كما نتخيله و نتوهمه.

عيوبنا في المنطق الأخرق المعشعش في الرؤوس التي تتصور أنها تملك الحقيقة و هي لا تملك غير نتف صغيرة منها. عيوبنا في التفكير الأعوج الذي لا يهمه غير إثبات صوابية رأيه حتى و إن فبرك و زيف و ادعى زوراً و بهتانا. عيوبنا في ذلك المنطق الأعوج الذي يجيد التحشيد و الهوبرة الكلامية والمسخرة، ويتجاهل الحجة و الاستماع للرأي المخالف.

عيوبنا في نزعة التعالي و الغرور الذي يعمي العقول قبل أن يعمي الأبصار فلا يجعلنا نرى غير أوهامنا و رغبتنا في التصدر و التسيّد. عيوبنا في ذلك النفي المسعور لأي مسؤولية لنا عن تخلفنا، و في سعينا لتحميل كل المسؤولية على شياطين يتآمرون علينا في الغرب و الشرق، وتصوير اننا نحن المساكين ضحية هؤلاء السفلة المتآمرين.

لعيوبنا وجه آخر يكمن في انبهارنا بجمال الكلمات وموسيقى صفها و سجعها وتنغيمها على حساب مضمون المعاني التي تتبخر من كثرة انشغالنا بجمال الصيغ والصور. كم نغرق بالصور و التصوير على حساب الرسالة التي نريد ايصالها مما نقول و نكتب. معظمنا يحب الصور و التصوير. و أنا أحب التصوير كثيراً. لكن إن لم ندرك أن هذه مجرد صور، و أن الواقع أغنى من كل الصور فليس لكل صورنا أي قيمة. الواقع لا يختصر و لا يستنفذ بالصور. ما يعانيه واقعنا يحتاج إلى كل قوة الفكر و ليس الاكتفاء بقوة التصوير والصور.

إن كنا نريد بحق حل مشاكلنا مع أعدائنا الخارجيين فعلينا مواجهة هذه العيوب الكامنة في عقولنا و نفوسنا أولاً. ولا يمكن مواجهة هذه العيوب ما لم نرمِ بأسلحة التجاهل والنكران جانباً لنمضي إلى الإصغاء المتبادل لبعضنا و نقد بَعضنا والتعلم من بَعضنا.

لا ادري ما هي الرسالة من الكتابة على صفحات الفيسبوك. يقولون أن الفيسبوك أتاح فرصة للتواصل الاجتماعي الذي يتضمن شيئاً من المرح و روح الدعابة و تبادل الصور و الشعر و السياسة و غير ذلك. كل هذا جيد و يمكن أن يسد حاجة في النفس. لكن في بلاد تتآكل و يطفو إلى السطح فيها كل أنواع العفن و الموت و القهر ألا توجد حاجة أكبر للتواصل الفكري!؟

أعتقد أن قيمة ما نكتبه ليست في المعلومات و الأفكار التي نقدمها بل في طرق تناولنا لها و طرق دفاعنا عنها. نتعلم من بَعضنا أكثر عندما لا يمنعنا دفاعنا عن آرائنا من الإصغاء للنقد و الاعتراف بالخطأ إن وجدنا النقد منطقياً. نحن بحاجة إلى التعود على تقبل النقد مهما كان مصدره دون استكبار وترفع. نحتاج أن نشجع على النقد لا أن نردعه كما هو السائد على صفحات الفيسبوك. نحن بأمس الحاجة إلى تعلم قول (أخطأت) وأن نتراجع عن الخطأ دون أن نشعر بالعار؛  فمن لا يخطئ لا يتعلم.

يكفي أن جامعاتنا ومدارسنا ومؤسساتنا تسودها عقلية التلقين والتحفيظ، فهل نحشر هذه العقلية على صفحاتنا أيضاً في هذا العالم الافتراضي؟ إلى متى نبقى نفترض أن العيب ليس فينا بل إنه هناك في الطرف الآخر؟! لن نتمكن من حل مشاكلنا و صراعاتنا مع أعداء الخارج قبل أن نعترف بأن هناك عيوب فينا، و قبل أن نتخلى عن متاريس الوهم التي نتمترس خلفها و تجعلنا نتصور أننا بخير و الحمد لله لولا هؤلاء المتآمرين علينا!.

Print Friendly, PDF & Email