حرب كرة القدم (Football war)

Football-war comparison

بقلم منذر هنداوي

تشبه الرياضة الحرب بأن كليهما يهدفان إلى الفوز، لكنهما يختلفان جذرياً في معنى الفوز، و سبل الوصول إليه. الفوز في الحرب يعني كسر إرادة العدو و إخضاعه، و لو أدى ذلك الى أقصى درجات دماره. تستخدم الحرب كل أساليب الخداع للوصول إلى هذا الهدف. فالحرب خدعة بأحد أقدم أوصافها. أكثر الانتصارات الكبرى في التاريخ حصلت ليس نتيجة الاختلال الكبير في موازين القوى بل بسبب القدرة على خداع العدو. فمثلاً، لولا خدعة “حصان طروادة” لما تمكن الإغريق من فتح طروادة من الداخل و مباغتة أهلها و قتل كل رجالها. 

على عكس الحرب فإن الفوز في الرياضة لا يهدف الى سحق العدو بل التفوق عليه بمنافسة شريفة. فالرياضة تنظمها قوانين و قواعد تردع من يخادع ويخالف القوانين بعقوبات صارمة تصل الى حد منعه من المنافسة من جديد. وعلى عكس الحرب التي تفضي إلى العداء والبغضاء بين المتحاربين، فإن الرياضة تزكي روح الفريق و روح التعاون والانفتاح على الخصم. يذكر مثلاً أن العلاقات بين الصين و أمريكا تأسست بعد دعوة الصين لفريق أمريكي للعب كرة الطاولة، “البينغ بونغ”. تلتْ اللعبة زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى الصين عام ١٩٧٢و بعد ذلك تأسست علاقات دبلوماسية بين البلدين بعد أن كانت الدولتين في حالة عداء. بالطبع هذا الانفتاح على الصين لا يعود فقط لتلك المباراة، بل أيضاً لقراءات أمريكية لقوة الصين الصاعدة و ضرورة استيعابها. لكن بوابة الرياضة كانت المدخل المقبولا شعبيا وانسانيا للانفتاح بين البلدين. 

صحيح أن الفوز مهم و يجلب السعادة لكنه في الرياضة ليس كل شيء. الأساس في الرياضة تهذيب النفوس من خلال تطوير إرادة اللاعبين على المضي في تطوير قواهم البدنية والنفسية والعقلية. فعلى الصعيد النفسي مثلاً توصف أنواع من الرياضة الجماعية  كعلاج للاكتئاب. وكما أن الفوز ليس كل شيء فإن الخسارة في الرياضة ليست نهاية التاريخ. لهذا يقولون: تقبَّل الخسارة بروح رياضية. أي أنه فعل أقصى ما لديه لكن خصمه كان أفضل و يستحق الفوز. هذه الروح الرياضية لا يملكها إلا شخص هذّب نفسه بالتمرين و قوة الارادة والثقة بالنفس التي تكفيه كي يتابع التدريب و تطوير قدراته التي يمكن أن تساعده لاحقاً على الفوز. 

لكن يبدو أن “الروح الرياضية” آخذة بالتلاشي في عصرنا الراهن، فالرياضة تقترب من أن تصبح حرباً. روح التنافس الرياضي تتراجع لتحل محلها نزعة العداء بين الفرق. السياسة ضيقة الأفق والمال دخلا بقوة إلى كثير من الرياضات وخاصة كرة القدم وحولاها إلى صناعة استثمارية ووسيلة للدعاية و الإعلانات. لا تستطيع مشاهدة مباراة على التلفزيون دون دفع اشتراكات باهظة. الممولون و اللاعبون و المشجعون تسري بينهم حمى الفوز بأي ثمن. كل هذه مواضيع تحتاج الى دراسة لتفهم كيف يمكن للرياضة أن تنحرف عن رسالتها. 

لكن هناك ما يلفت النظر تحديدا في هذا المونديال وهو درجة من الشماتة و التشفي من الفرق الخاسرة في منطقة الشرق الأوسط. و هذا التشفي مبني ليس على مستوى أداء الفريق بل على نظرة العداء للدولة التي يمثلها الفريق. تخسر مصر فتجد السخرية والشماتة ليس تجاه الفريق المصري و حسب بل ضد مصر والمصريين نكاية بالرئيس السيسي. تخسر السعودية فتجد أسوأ التعليقات تثار ضد السعودية نظرا لدور الحكم فيها في اليمن أو في سورية. من يؤيدون سياسة بوتين اعتبروا انتصار الفريق الروسي على السعودية انتصارا لبوتين على ابن سلمان، بينما مناهضوا بوتين هللوا وكبروا لتغلب الاوروغواي على روسيا نكاية بسياسة بوتين. نفس التهكم يمكن ملاحظته و بقوة ضد إيران ممن يرفضون الدور الايراني في الشرق الأوسط. كثير من المعارضين السياسيين و الصحفيين و الكتاب الذين يفترض أن يترفعوا عن إقحام الرياضة في عداوتهم تجاه سياسات دولة ما انخرطوا في حملات التشفي هذه. 

يبدو أننا نستسلم في هذه الصراعات التي تجتاح بلادنا لأبشع غرائزنا البهيمية. هناك أوقات كان يعترف فيها المرء لخصمه بما يتحلى به قيم. تبخر هذا وسط صراعات الشرق الأوسط. صرنا نشيطن الخصم و تاريخه ودولته وشعبه فلا نرى غير القبح فيه. أين دور المونديال اليوم من دور كرة الطاولة في إنهاء العداء بين الصين و أمريكا!؟. يبدو أنه عوضا عن أن تساهم متابعة المونديال في تحسين الروح الرياضية و ضبط حدود العداء، حصل العكس في بلادنا إذ تم تعميم العداء على الرياضة فصارت في نظرنا الرياضة حرباً. هذا مؤشر على أن حروبنا في الشرق الأوسط مستمرة. لا يبدو أنه وارد بأذهاننا أن نتعلم أنصاف الخصم وتفهم معاناته عِوَضاً عن الحكم عليه بأنه الشيطان الأكبر. لا يبدو أننا نريد أن نميز بين سياسة حكومة ما وبين حضارة شعبها. لكن بالتأكيد فإننا لن نخطو أي خطوة نحو سلام حقيقي قبل أن نتوقف عن هذه الشيطنة ، وقبل أن نتواضع، وقبل أن نتوقف عن الفخر المزيف بما لم نفعله، وقبل أن نتعلم إنصاف الخصم بروح رياضية.

Print Friendly, PDF & Email