ترامب النووي (Nuclear Trump)

Nuclear Trump
بقلم منذر هنداوي

يشكل ترامب ظاهرة فريدة من نوعها. شخص من خارج النخب السياسية التقليدية يقتحم عالم السياسة و يسجل انتصارات ضد سياسيين مخضرمين. يتكلم بثقة مطلقة و كأنه عليم بكل شيء. ينتقد خصومه و كل ما لا يحلو له بشدة دون أي اعتبار لقيمٍ وأعراف المجتمع، أو لمشاعر من ينتقدهم. مسؤولين كبار في الادارة الامريكية يرى أنهم يستحقون السجن فقط لأنهم اختلفوا معه و حاولوا الإلتزام بالقوانين. يعتبر نفسه فوق قوانين المجمع وتقاليده. بخطاب شعبوي لا يخلو من عنصرية و احتقار للآخر تمكن ترامب من حشد أعدادٍ هائلة من الأمريكيين خلفه إلى أن أصبح رئيس أقوى دولة في العالم. شعاره ببساطة “أمريكا أولا”؛ والتتمة الضمنية لهذا الشعار، حتى لو ذهب العالم إلى الجحيم. النواة الصلبة من الجمهور الذي يتبع ترامب تشبه أولئك الذين آمنوا بهتلر. إنه إيمان شبه ديني بزعيم أو إمام بغض النظر إن كان هذا الإمام صادقاً أو منحرفاً أو معجرفاً أو حتى كذاباً طالما كان هدفه مصلحة “الأمة”. بالنسبة لهؤلاء الأتباع ما يقوله وما يفعله الإمام ترامب هو القانون. 

كلما شعر بالحصار يلجأ ترامب إلى مناصريه بتغريدات تطربهم وتذكرهم بإنجازاته من أجلهم و بالخطر المحدق به وبهم ممن يتصيدون في الماء العكر في أمريكا. و بنفس الوقت فهو يهدد ضمنياً من هم قادرون على التصدي له قانونيا بتحريك الموالين له كي يخرجوا إلى الشارع باحتجاجات عارمة. و هذا بات يشكل قلقاً كبيراً لكلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، و لقوى الأمن التي لا تعرف كيف ستتعامل مع مؤيدي ترامب إن هو دعاهم للنزول إلى الشارع لمناصرته إن هو تعرض لإجراءات عزل قانوني. 

بغريزته، يؤمن ترامب بمبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”.  فهو بالتأكيد لم يتتلمذ على فكر ميكيافيلي كي يتقن استخدام هذا المبدأ. فالكذب والمناورة والمخادعة تجري بدمه و بصفقاته و بنزواته. قبل أسبوع نشرت إحدى الصحف كيف تلاعب ترامب بمقدار ثروته قبل عدة عقود كي تدرجه مجلة فوربيس بين أغنياء أمريكا. و كان هدفه الاستفادة لاحقاً من تمويل مشروعاته من البنوك كأحد كبار الأثرياء. ويشار إلى أن ترامب أفلس ثم عاد من جديد بفضل مناوراته و ادعاءاته. كثير من رجال الإعلام الأمريكي يصفونه بالكذاب. توماس فريدمان قال قبل سنة أن ترامب يكذب بعدد الأنفاس التي يتنفسها. و رغم أن ذلك الكذب يعتبر فضيحة مدوية لأي مسؤول سياسي إلا  أن أتباع ترامب يقولون الآن وما العيب في بعض الكذب إذا كان الهدف نبيلاً؟!. وأي هدف أكثر نبلاً من زيادة ثروة ترامب و زيادة نفوذه!

القانون الأمريكي لا يعاقب الرئيس على علاقاته و مغامراته الجنسية مع عاهرة أو غيرها. لكن القانون يعاقب الرئيس إذا كذب، أو إذا أساء استخدام المال العام لأغراض شخصية. والكذب بات واضحاً في تصريحاته المتعلقة بالمومس ستورمي دانيالز التي نفى علاقته معها، و نفى دفعه ١٣٠٠٠٠ دولار كي لا تتحدث عن علاقته بها. وهذا الكذب يمكن أن يؤدي إلى البدء بإجراءات عزله من الرئاسة. رغم هذا فإن أنصار الرئيس لا يجدون حرجاً في كذبه إذا كان ذلك لا يؤثر على حسن أدائه كرئيس. وهم يرونه أفضل الرؤساء أداءاً. أكثر من هذا، فإن هؤلاء الأنصار يَرَوْن أن ترامب يستحق بأدائه المتميز جائزة نوبل. و قد بدؤوا بالفعل بتوقيع عريضة لتقديمها للإدارة المسؤولة عن الجائزة لترشيح ترامب لها. ومن يدري، فقد يحصل على جائزة نوبل للسلام في هذا العالم الذي تتردى قيمه نحو الحضيض! 

رغم كل فضائحه الجنسية، و رغم الكذب الذي مارسه وتم كشفه حتى الآن على نطاق واسع في الإعلام الأمريكي فإن ترامب لا يأبه، ولا يشعر بأي حرج و يتابع مسيرته وإدارته بشكل اعتيادي.

 يحكم ترامب أمريكا كما يحكم رجل أعمال مؤسسته الخاصة. هاجسه ليس هاجس قائد عسكري معني بأمن البلد، وليس هاجس مفكر استراتيجي مهتم بحسابات تطور القوى العالمية واحتمالات تطور الصراعات الدولية وأثر ذلك على أمريكا. هاجسه انتهاز أي فرصة للربح. هاجسه عقد صفقات تجارية كبيرة كتلك التي عقدها مع دول الخليج، و التي قدمها للشعب الأمريكي كانتصار خارق. مجال عمل ترامب ليس الإنتاج ولا الخدمات التي تعتمد التطور العلمي و التقني. مجال أعماله المراهنات، والفندقة، وبطولات المصارعة الحرة المفبركة، و حفلات ملكات الجمال. إنها أعمال مرابين تعودوا حياة البذخ والرخاء والإثارة. بهذه العقلية التي تدير مثل هذه الأعمال يحكم ترامب أقوى دولة بالعالم. يضغط على الصين و أوربا من أجل تصحيح الميزان التجاري معها دون أن يدرك أن موازين التجارة تعكس المزايا النسبية للدول في المنتوجات التي تنتجها كل دولة. لا يدرك أنه لا يمكن لدولة واحدة أن تكون الأفضل والأكفأ بكل المنتجات و الصادرات. كذلك فهو لا يدرك الأثر الخطير على اقتصاد بلده وعلى الاقتصاد العالمي إذا هو نفذ تهديداته بفرض رسوم جمركية على الواردات الصينية أو الأوربية. مستشاره الاقتصادي استقال نتيجة تصريحاته غير المعقولة أبداً من وجهة اقتصادية. أما عن آراءه تجاه البيئة، أو حمل السلاح الفردي مثلاً فلا يمكن وصفها سوى بأنها آراء غير مسؤولة. فمن يتصور أن رئيسا يطالب بتسليح المعلمين بالمدارس كي يقضوا على أحد التلاميذ أن سولت له نفسه باستخدام السلاح في المدرسة!

على الصعيد العسكري يريد ترامب أن تبقى أمريكا قوية ترهب العالم. و مع ذلك يريد سحب جيوشه من العالم لإعادة بناء أمريكا كما يقول. أو بأحسن حال يريد من العالم أن يدفع له ثمن خدمات القوة الأمريكية. و هو لا يدرك أن ثمن القوة العسكرية المنتشرة في معظم أرجاء الأرض حصلت عليها أمريكا مضاعفاً منذ الحرب العالمية الثانية من كل دول العالم. وأن الرخاء الاقتصادي بعد الحرب العالمية يعود بجانب كبير لهذه القوة العسكرية المنتشرة في أرجاء هذه الأرض. فلولا هذا القوة لما حصلت شركات أمريكا على أفضل المزايا للاستثمار في العالم. وربما يدرك ترامب مدى العائدات من انتشار القوة الأمريكية في العالم و لكنه يريد مضاعفة عائدات ذلك التواجد عدة مرات مما هي عليه حتى الآن. يقول إن أمريكا خسرت في حروب الشرق الأوسط ٧ تريليون دولار دون أن تربح شيء!. حروب مزقت دولاً في الشرق الأوسط، بينما حصدت شركاتها فضل مزايا الاستثمار مع ذلك يرى ترامب أن أمريكا لم تستفد منها!! لكن لو كان هناك عدل في هذه الأرض لكان لدول الشرق الأوسط أن تحصل على تعويضات قدرها ٧ ترليونات من أمريكا نظرا للتخريب الذي فعلته أمريكا بهذه البلاد. 

رغم دعوته للانسحاب من مناطق النزاع وعدم لعب دور شرطي العالم فإن ترامب لا يتوقف عن التصرف كشرطي العالم. و لم لا؟!  وتحت تصرفه أكبر ترسانة عسكرية بالعالم. يهدد بإزالة كوريا الشمالية من الخريطة. يهدد الروس بصواريخ ذكية فوق سورية. يدعو للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. و مع ذلك يريد أن يسحب قواته المنتشرة في معظم أجزاء الأرض. لكن كيف سيجبر كوريا أو إيران للانصياع إلى إملاءاته إذا كان يريد سحب قوات أمريكا وعدم الدخول بحروب جديدة. 

هناك احتمالين على ما يبدو:

  • الاحتمال الأول أن ترامب يبلف، أو يخادع، (bluffing)، وأنه عندما تحين ساعة الحقيقة سينسحب ولا يدخل في حرب ويقبل بما انتزعه من خصومه من تنازلات. 
  •  الاحتمال الثاني أنه يمكن أن يستخدم القوة لفرض إملاءاته. لكن إذا كان يريد سحب جيوشه من كثير من مناطق كثيرة من العالم ومنها الشرق الأوسط فما هو السلاح الذي يمكن أن يعتمد عليه لفرض شروطه على الدول التي يختلف معها. سلاح العقوبات الاقتصادية التي شهرته أمريكا تجاه العديد من الدول لم ينجح في معظم الدول التي تعرضت لهذه العقوبات. صدام حسين مثلاً تمكن من الصمود و تطوير قوته رغم كل العقوبات الاقتصادية. لم يهزم صدام إلا عندما تم حشد ما يزيد عن ٣٠٠ ألف جندي ضد العراق حسب بعض التقديرات، منهم  ربع مليون جندي أمريكي، و ٤٥ ألف جندي بريطاني. و الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على  إيران إذ لا يمكن إرغامها للامتثال بما يريده ترامب بالعقوبات الاقتصادية. يبقى سلاح القصف عن بعد بالصواريخ والطائرات بكل الذخائر المتطورة جداً. لكن هذا النوع من القصف الذي استمر ٨ سنوات ضد شمال فيتنام لم يمكِّن أمريكا من حسم حرب فيتنام لصالحها. و بعد توقف القصف عام ١٩٧٣ تقدمت فيتنام الشمالية و احتلت فيتنام الجنوبية المدعومة أمريكيا و توحدت فيتنام في دولة واحدة. 

لا يوجد أمام ترامب كي يخضع خصومه غير السلاح النووي. فهل استخدام السلاح النووي بات ممكنا؟. منذ تطويره لم يستخدم السلاح النووي إلا مرة واحدة في التاريخ، و كان ذلك ضد اليابان. فقد فرضت أمريكا الاستسلام على اليابان بعد ضربها بقنبلتين نوويتين دون أن تقحم جنودها بحرب تقليدية طويلة. لكن بعد أن طور الاتحاد السوفياتي السابق سلاحه النووي تحول السلاح النووي إلى سلاح ردع متبادل. هذا يعني أن أي استخدام للسلاح النووي يستدرج استخداما نووياً معاكساً مما يؤدي إلى دمار هائل متبادل لكلا الطرفين النووين. لذلك فإنه الخوف من الدمار المحقق كاف كي يردع الأعداء النووين من استخدام السلاح النووي. ويرجع كثير من المفكرين الاستراتيجيين السلام الفاتر بين الدول الكبرى فيما سمي بالحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية إلى هذا الردع المتبادل. لكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تغيرت كثير من المفاهيم الاستراتيجية. و ربما بات استخدام السلاح النووي ممكنا، و خاصة ضد دول صغيرة غير نووية. والتهديدات ضد إيران تحمل في طياتها ضمنا هذا التهديد باستخدام السلاح النووي. وهناك عدة عناصر تجعل من استخدام هذا السلاح ممكنا، و لكن بالتأكيد ليس حتمياً. 

  1. 1. السلاح النووي تطور كثيرا منذ الحرب العالمية الثانية. و أهم تطور هو الأسلحة النووية التكتيكية، وهي أسلحة أقل قدرة تدميرية من الأسلحة النووية الاستراتيجية مثل تلك التي ضربت اليابان، لكنها تبقى ذات قدرة تدميرية هائلة مقارنة بالأسلحة التقليدية، و تأثيرا يبقى محدداً بالمواقع التي يراد تدميرها. ويشاع أن اسرائيل استخدمت سلاحاً نووياً تكتيكياً في ضرب مواقع إيرانية في سورية مؤخراً، وأنه حصل بسبب هذا الاستخدام هزة ارضية تعادل ٢،٩ على ميزان ريختر. إذا صح هذا الخبر فهو رسالة قوية لإيران بصدد القادم.

  2. 2. لا تمتلك ايران سلاحا نوويا تردع به أمريكا أو اسرائيل من استخدام السلاح النووي ضدها. ولا تمتلك إيران تحالفاً مع دولة نووية ترتدع بواسطتها أمريكا او اسرائيل من ضربها. 

  3. 3. ترامب يعاني من أزمات وتحقيقات داخلية كبيرة يمكن أن تقود إلى بدء إجراءات عزله. وهو بهذا الحال قد يلجأ لحرب خارجية يستطيع من خلالها إيقاف التحقيقات ضده. فكيف يمكن الاستمرار بإجراءات عزل رئيسٍ بلاده في حالة حرب!

  4. 4.أخيرا يجب تذكر أن أكثر الحروب دموية و تدميرا بالتاريخ كان مشعلها قادة لديهم ما يشبه جنون العظمة. يكفي الاستماع الى خطابات ترامب و مقارنتها بخطابات هتلر لملاحظة التماثل فيما يمكن أن يفعله مثل هؤلاء القادة، وما تفعله المغالاة في تقدير دور القوة العسكرية في حل الصراعات.

إذا حصل و شنت حرباً نووية فهل يمكن الحد من تداعياتها؟ وكيف ستتغير علاقات الدول بعد أول استخدام نووي؟ هل يُسقط استخدام السلاح النووي النظام الايراني؟ و ما هي تبعات مثل هذا الاستخدام على الهجرة والإرهاب العالمي؟ هل ستأخذ دول العالم موقف الحياد فلا تحرك ساكناً تجاه ما يحصل؟ أسئلة كثيرة لا بد أن تكون مراكز الدراسات العالمية منشغلة فيها، و تقديم السيناريوهات لشكل الشرق الأوسط و العالم بعد استخدام مثل هذا السلاح النووي. أسئلة تثير الخوف و القلق لدى السياسيين الأوروبيين من تبعاتها على بلادهم، بينما أكثر بلاد الشرق الأوسط منشغلة بسياسات “حرف الهاوية”. و يبقى احتمال الخطأ الكبير في الحسابات لدى جميع الأطراف ماثلاً و مهددا بوقوع البشرية جمعاء بالهاوية. 

Print Friendly, PDF & Email