فَصْلٌ من أجل وصل (Separation in order to connect)

Separation and connection
بقلم منذر هنداوي

الوصل و الوصال لا يتم بالقهر و الإرغام و الإنكار. بل يتم برغبة مشتركة بين الناس على التفاهم. و عندما تتشابك العلاقات، و تتنازع الأطراف فقد يصبح الفصل خٓياراً مقبولاً. و لكن الفصلٌ لا يعني بالضرورة القطيعة. فهناك فصْل من أجل وصلْ. فصلٌ يبيّن ما لكل طرف، و ما عليه حتى يعيد التأسيس لوصل جديد و علاقة جديدة تسودها شفافية أكبر. في الأُسرة الواحدة المتماسكة قد تحصل أحيانا خلافات حول الوِرْثة مثلاً. قد يجد الوٓرٓثةُ وسيلة للتفاهم الودي فيما بينهم. أو قد يلجأون للقانون كي يفصل فيما بينهم. لكن أيضاً قد يتحاربون طوال العمر و يخسرون ماديا و معنويا تلك الرابطة الأخوية التي جمعتهم سابقاً كأُسرة واحدة.

الاختلاف سِنّةُ الحياة و سِنّةُ البشر و سِنّةُ هذا الكون. المرء يختلف مع نفسه أحياناً فكيف لا يختلف مع غيره!؟. لكن حل الخلافات هو ما يميز الناس عن بعضهم. فهناك من يحتكم للعقل، و هناك من يتحامق و يتمترس خلف ما يظنه مكسبا له. فمن يلجأ للتحامق و الاستبداد بالرأي و يتسرع باستخدام لغة القوة، إنما يؤسس لعداوة فيها من الخسائر أكثر بكثير مما فيها من الأرباح. أما من يحتكم للعقل و للحوار فإنما يؤسس لمجتمع متسامح متماسك قابل للتطور. فقط المجتمعات القادرة على تطوير ساحات الحوار، و ليس ساحات القتال، هي القادرة على الحياة و العطاء. المجتمعات التي تطور القوانين، و المحاكم وترسخ احترام القانون هي الأكثر قدرة على الاستمرار و العطاء و التطور. في دولة القانون كل الناس مرتاحون. القاضي مرتاح، و الحاكم مرتاح، و الناس مرتاحون. دولة القانون هي دولة المواطنة. في دولة القانون لا يلجأ المواطن كثيراً للقانون، فمن تعود احترام القانون لا يخالف القانون، و هو بذلك ليس بحاجة للالتجاء إلى القانون. في دولة القانون لا يوجد كثير من رجال الأمن أو الشرطة أو السجون.  لكن يوجد جمعيات و تنظيمات و مؤسسات للتعليم و للحوار و للتحسين. في دولة القانون يوجد ترجيح للعقل. و العقل يفصل و يميز و يعيد الوصل على أسس أفضل.

في تشيكوسلوفاكيا سابقا قرر السلوفاك الانفصال. تحاور التشيك و السلوفاك. بينوا ما لكل طرف و ما عليه. ثم صارت تشيكيا دولة و سلوفاكيا دولة. بعد الفصل أعادوا الوصل فيما بينهم عبر الاتحاد الأوربي. الآن تعْبُر الحدود بالسيارة من تشيكيا الى سلوفاكيا دون توقف، كأنك في نفس البلد. لا أماكن لختم جوازات السفر و لا للتدقيق بالهوية. لم تختلف الحياة، و لا حقوق العمل، و لا المزايا بالنسبة لمواطني الدولتين إلا في أمور إجرائية  بسيطة لا تذكر.

بريطانيا تنفصل الآن عن الإتحاد الأوربي. أعطوا أنفسهم سنتين من الحوار و  التفاوض. كل طرف يعد مقترحات و يتم تدارسها و حساب نتائجها حتى يتم التخارج بطريقة لا تؤثر على الاتحاد الأوربي و لا على بريطانيا. بعد هذا الفصل سيعاد الوصل بين بريطانيا و الاتحاد بطريقة يرضى بها الطرفان.

اسكوتلندا مرشحة للانفصال عن المملكة المتحدة البريطانية. و ان حصل الانفصال فسيتم بنفس اُسلوب انفصال سلوفاكيا مع قليل من الفروقات كون بريطانيا قيد الخروج من الاتحاد الأوربي. الحسابات الأسكوتلندية و الانكليزية  لهذا الانفصال لم تتوقف منذ عدة عقود، و يعاد النظر بها من جديد. و اذا حصل انفصال اسكوتلندا فسيتم بدون إطلاق نار و لا حرب و لن يتضرر منه الدولتان.

في بلادنا، ألا توجد فرصة  للتعلم من هذا التخارج السلمي أو هذا الفصل لإعادة الوصل عبر الحوار!؟ لماذا تدق طبول الحرب في استفتاء كوردستان. لا كوردستان على حق بالتهديد بالاستفتاء و بالاستقلال الذي يسلب الآخرين حقوقهم، و لا الحكومة العراقية الحالية و الحكومات السابقة على حق بعدم النظر في مظالم الأكراد التاريخية. فهذا التفرد بالسلطة في بغداد أحد الأسباب التي أدت إلى التعنت الكوردي بالاستفتاء.

أي عقل هذا الذي يسيّٓرنا. لماذا لا نقبل بالتحاور!؟

لماذا لا نتعلم كيف نتحاور، و كيف نصغي للآخر، و كيف نتفاوض بقصد التوصل الى حل مرضي لكل طرف!؟.

 لماذا “نحن أناس لا توسط بيننا”!؟

لماذا “لنا الصدر دون العالمين أو القبر”؟!

لماذا لا حلول وسط مع خصمنا!؟

لماذا “الصدر” أو “القبر”؟!

و إذا حصلنا على الصدر و الصدارة فأين سنضع الآخر؟! في القعر؟!

و الله ان هذا التفكير المتعجرف هو أكبر سبب لتقليص خياراتنا، لكن ليس بين الصدر أو القبر، إنما بين القبر أو القعر. فمنذ ألف عام لم ننهض، و ما أن ننهض من قعر حتى نرتمي في قعر.

Print Friendly, PDF & Email